توفي الشيخ محمد الغزالي (رحمه الله) في 9 مارس 1996 م بالرياض , ودُفن بالبقيع بالمدينة المنورة بجوار قبري الإمام مالك والإمام نافع رحمهما الله , لقد كانت حياة الشيخ حافلة بالأحداث, فلقد كتب الشيخ وحاضر وخطب ودرٌس في الأزهر والجزائر والسعودية وقطر ..فكان له في كل مكان بصمة, وكان له في كل مكان أثر .. لقد قرأت أكثر من كتاب في السيرة , فلم أجد أرقى من كتاب (فقه السيرة) - وقرأت أكثر من كتاب في توجيه سلوكيات ومسار الإسلاميين, فلم أجد أفضل من كتاب (جدد حياتك) -وعن جهود التنصير, فلم أجد أفضل وأجرأ من (قذائف الحق) , وعن الرد على بعض مُدعي السلفية ومدى تشدد بعضهم , لم أجد أفضل من كتاب (السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث) ..و الذي دفع بعضهم لتأليف عدة كتب للرد على الشيخ ( أو إن شئت الدقة لقلت : لسباب الشيخ) . وقد مضت بنا الأيام لنرى مراجعات , ونسمع عن مواقف ,تتطابق مع ما كان يدعو إليه الرجل, ولما كان يحرص عليه أشد الحرص خدمة للدين والدعوة والناس .. وكأن الرجل (رحمه الله) كان ينظر من بعيد ليرى واقعنا المعاصر ..وكأنه كزرقاء اليمامة حين نبهت وحذرت , لكنها لم تجد أحدا يلتفت !!.. حين نقف مع ما كتبه الشيخ بشأن التحديات التي تواجه أمتنا من خطر التيارات الوافدة كالعلمانية المتطرفة, أو الشيوعية الجامدة, أو الامبريالية المستعمرة نجده لم يتوقف مع هذه الأخطار وحدها, بل توقف كثيرا مع ما رآه من تشدد وغلو لبعض التيارات الإسلامية والتي رأى (رحمه الله) وأنها شغلت الناس بالفروع دون الأصول, وبصغار الأمور دون كبارها , مما جعلها تشغل الناس وتربك مسار حياتهم دون ان تطرح حلولا لحاضرهم ومشكلاته واخطاره وأولوياته .. كما أنها احتدت في خلافها مما جعله يحتد أيضا في الإنكار عليها .. لم يكتف الرجل في مسيرة حياته بالفكرة دون العمل, فقد انضم لتنظيم الإخوان يوما وغادره في يوم أخر, ليبقى مدافعا عما يعتقده أنه الحق, ولعل مسيرة إنتاج الرجل الفكرية والدعوية والعلمية كانت أكثر ثراء حين لم يعد مُتقيدا بجماعة أو تنظيم (دون القدح في ذلك, فلكل مجال رجاله وزمانه) وحين نرى مدى عناد بعض التيارات الأسلامية حين لم تستمع لتحذيرات مبكرة وصيحات مخلصة تنبهها الى خطورة مسارها, والى ضرورة الاستماع الى نصح الناصحين وتحذيرات المحبين, لكن بعضها رأي أن تقديره للأمور أوفى وأشمل, ومن ثم لم يجدوا ضرورة في الانتباه أو التريث أو التوقف أو الاستماع , فكان ما كان .. ولقد وقفت كثيرا , ورددت في أكثر من مقال وموقف ما كتبه الشيخ في نصح مبكر للإسلاميين ( للأسف لم ينتبه معظمهم له) حين قال : إن الانتقاد الصحيح لما وقع المرء فيه من أخطاء, أو الاستدراك على ما فاته من كمال, فيجب أن نقبله على العين والرأس..ولو كان النقاد مدخولي النية سيئ القصد. فسوء نيتهم عليهم وحدهم, وخير لنا أن ننتفع بما أجراه القدر على ألسنتهم من تصويب.. ومن يدري ؟ لعل ذلك الانتفاع يكون أغيظ لقلوبهم المريضة.. والعاقل يتسمع ما يقوله أعداؤه عنه. وإن كان باطلا أهمله ولم يأس له.. وإن كان غير ذلك تروى في طريق الإفادة منه..فإن أعداء الإنسان يفتشون بدقة في مسالكه, وقد يقفون على ما نغفل نحن عنه من أمس شئوننا..وقديما قالوا: رحم الله أمرءا أهدى إلي عيوبي, فمن أهدى إلينا عيوبنا قبلنا هديته في الحال, ثم سارعنا إلى إصلاح ما بطن وما ظهر من نفوسنا, حتى لا يبقى مجال لشانئ, أو فرصة لناهز ! . ( من كتاب: جدد حياتك ) .. فإذا كان حديث الشيخ ( رحمه الله ) عن النقاد سيئ القصد , فما بالنا بنقاد يخلصون في نصحهم, ويقدمون ما يرونه صالحا لأوطانهم بكل فئاته وتياراته! رحم الله الشيخ, لقد كنا في هذه الايام أحوج ما نكون لتجدد فكره, وعمق نظرته, وغزارة علمه, وحرارة قلمه وقلبه , ولجرأته في طرح أفكاره , لما نحسبه سعيا للحق دون سواه ..
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.