تحدثت في المقالين السابقين عن سعي كثير من المهتمين بالشأن الإسلامي من داخل الإخوان وخارجهم لدفع قيادة الإخوان لتقييم مسارهم وافكارهم وطريقة إدارة التنظيم ومناهجه ولائحته (الخ) .. وأن كثيرا من تلك الجهود ذهبت ادراج الرياح, ولعلنا في هذه السلسلة (خروجا من اسر اللحظة وآلامها وتحدياتها ) أن نرصد (للتاريخ) ما كان من تشوهات اصابت الحركة الإسلامية, فخرجت على الناس في صورة معينة, ابدى كثير منهم اعجابه بها في البداية, حتى إذا بدأ يرى ما كان من ممارسات ومواقف وتطبيقات انفض كثير منهم من حول هذا التيار أكرر, نحن في هذه السلسلة نحاول (تحديدا) تقييم مسلك القيادة وفق أفكار الجماعة ومنهجها وأدبياتها, لا وفق أفكار أخرى لأي تيارات أخرى, ولعلنا في هذا المقال ..
غياب التواضع
لقد أدى لجوء قيادة الإخوان الى تصنيف معارضيهم أو منتقديهم أو حتى ناصيحهم الى تسلل حالة يغيب فيها التواضع, وحين يغيب التواضع قد تُصم الآذان عن سماع كلمة معارضة والانتفاع بها, إنني كثيرا ما أكرر الاقتباس مما كتبه الشيخ "محمد الغزالي" (رحمه الله) في رائعته (جدد حياتك) حين كتب: إن الانتقاد الصحيح لما وقع المرء فيه من أخطاء, أو الاستدراك على ما فاته من كمال, فيجب أن نقبله على العين والرأس..ولو كان النقاد مدخولي النية سيئ القصد. فسوء نيتهم عليهم وحدهم, وخير لنا أن ننتفع بما أجراه القدر على ألسنتهم من تصويب.. ومن يدري ؟ لعل ذلك الانتفاع يكون أغيظ لقلوبهم المريضة.. والعاقل يتسمع ما يقوله أعداؤه عنه. وإن كان باطلا أهمله ولم يأس له.. وإن كان غير ذلك تروى في طريق الإفادة منه..فإن أعداء الإنسان يفتشون بدقة في مسالكه, وقد يقفون على ما نغفل نحن عنه من أمس شئوننا..وقديما قالوا: رحم الله أمرءا أهدى إلي عيوبي, فمن أهدى إلينا عيوبنا قبلنا هديته في الحال, ثم سارعنا إلى إصلاح ما بطن وما ظهر من نفوسنا, حتى لا يبقى مجال لشانئ, أو فرصة لناهز ! . ( من كتاب: جدد حياتك ) فإذا كان حديث الشيخ ( رحمه الله ) عن النقاد سيئ القصد , فما بالنا بنقاد يخلصون في نصحهم, ويقدمون ما يرونه صالحا لأوطانهم بكل فئاته وتياراته! إننا في ظل هذه الأزمة الكبيرة التي يمر بها الوطن, ولا يعلم إلا الله كيف تصير مآلاتها, لازال بعض الإخوان أسرى غياب فضيلة التواضع حين يقعون في فخ التصنيف, ولعل المتابع لبعض التدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي يرى ذلك بكل وضوح, ولعلى اتابعه جدا من باب الدراسة والرصد والتحليل والفهم.. لقد كتب الاستاذ الصحفي /علاء البحار – مدير تحرير جريدة الحرية والعدالة كلمة على صفحته على الفيس بوك يندد فيها بمواقف النظام الحالي, فكتب الأستاذ الصحفي / نبيل عمر –تعليقا قال فيه : [ يا أستاذ علاء لا تنس أنك صحفي جامع معلومات وقادر على تحليلها لا تجعل أفكارك الخاصة تفسد عليك المشهد العام، وقطعا بها تشوهات كثيرة، لكن فهمها قي إطار بيئتها وربطها بالمعارف والتاريخ افضل للرؤية].
فرد عليه أحد الإخوان : ( يا وَحش نضف صفحتك من عديمي الانسانية ولاعقى البيادة)
فرد الاستاذ نبيل عمر :( يا تري قلة الأدب طبع أم تطبع، ومن أي المصادر ارتوت قلوبكم وعقولكم بها؟!، هل الحوار بهدوء وتعقل حتى مع اشد الأفكار اختلافا تستلزم أن يكون المرء وقحا وسافلا؟)
يمكن لمن شاء ان يعتبر الاستاذ "نبيل عمر" خصما فكريا أو حزبيا أو سياسيا شديد الخصومة, وهذا حقه وهذه رؤيته, لكن العجيب لمن تبنى قيم الإسلام وأدابه مرجعية له أن يصدر منه هذا السباب, ولو قارنا التعليق الأول للاستاذ نبيل عمر لوجدناه تعليقا عاديا يحمل وجهة نظره, بينما التعليق الثاني كان غاضبا وحادا جدا.. الشاهد : أنك قد تدفع خصومك الى مزيد من الخصومة, وأن تنقله من الخصومة الهادئة الى الغاضبة, ولن تستطيع أبدا إعادته الى مربع الحياد ..
لن ادعي الحكمة, لكنني رأيت أن أكتب له: [ الأستاذ نبيل عمر : هل تسمح لي أن اتقدم لك باعتذار عن الكلمات التي وجهت لشخصك الكريم ؟ لأنني أؤمن أن لك كامل الحق في أن تتبني ما شئت من افكار, وأن تخاصم ما شئت منها , دون أن يؤدي ذلك الى سباب أو تجاوز ... قد لا أكون أنا من اسأت لك, لكنني يسوؤني الإساءة لك والى أي انسان..لذلك اتقدم لك باعتذار]..
فرد قائلا : شكرًا جزيلا لك يا أستاذ مصطفي، محاولاتي مع شباب الجماعة هو فتح باب حوار حتى لا ينغلق كل تيار على نفسه ولا يرى الجانب الأخر من الحياة، فالسوق الحرة للأفكار هي اصل التقدم والحضارة، ولا يمكن أن يسجن أي إنسان عقله في أي سجن فكري، فالله سبحانه وتعالي هو المطلق الوحيد في الكون، والموت هو الحقيقة المؤكدة، وكل شئ اجتهادات بشرية قابلة للصواب والخطأ. وهذا ما أحاول أن أناقشه . وحين اشرت اليه عن الدماء وألم الناس واعذارهم عن انفعالهم رد قائلا : من المؤكد يا أستاذ مصطفي أننا نتألم جميعا من سقوط نقطة دم واحدة، وإسلامنا حرم هذا تحريما قاطعا، ولا يمكن قبوله بغض النظر عن أي أشياء أخرى..
مراجعة المواقف على قاعدة الالتزام الديني حينما يكون لك مرجعية إسلامية, وحينما تعمل بالدعوة الى الله, فإنني أحسب أن همك الأكبر هو (إدخال) الناس الى دائرة الالتزام أو ربما الإعجاب بقيم هذا الدين, ولا يكون همك أبدا هو (إخراج) الناس من دائرة الالتزام, حين تبادر بتصنيفهم فترتاح الى ذلك التصنيف, ومن ثم تغلق عقلك عن الاستماع , والذي قد يكون مفيدا ونافعا لك, حتى ولو كان من أشد خصومك (كما أوضح الغزالي –رحمه الله) .. حين يقول الله في كتابه : وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) سورة فصلت يعارضك أحدهم مستشهدا بقوله تعالى " لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعا عليما " 148 - النساء لكن الله اردف هذه الآية باختها" إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا( 149 ) , وعنها كتب "صاحب الظلال" رحمه الله : وهكذا يرتفع المنهج التربوي بالنفس المؤمنة والجماعة المسلمة درجة أخرى . . في أول درجة يحدثهم عن كراهة الله - سبحانه - للجهر بالسوء . ويرخص لمن وقع عليه الظلم أن ينتصف أو يطلب النصف , بالجهر بالسوء فيمن ظلمه , ومما وقع عليه من الظلم . . وفي الدرجة الثانية يرتفع بهم جميعا إلى فعل الخير ; ويرتفع بالنفس التي ظلمت - وهي تملك أن تنتصف من الظلم بالجهر - أن تعفو وتصفح - عن مقدرة فلا عفو بغير مقدرة - فيرتفع على الرغبة في الانتصاف إلى الرغبة في السماحة ; وهي أرفع وأصفى . . عندئذ يشيع الخير في المجتمع المسلم إذا أبدوه . ويؤدي دوره في تربية النفوس وتزكيتها إذا أخفوه - فالخير طيب في السر طيب في العلن - وعندئذ يشيع العفو بين الناس , فلا يكون للجهر بالسوء مجال . على أن يكون عفو القادر الذي يصدر عن سماحة النفس لا عن مذلة العجز ; وعلى أن يكون تخلقا بأخلاق الله , الذي يقدر ويعفو: (فإن الله كان عفوا قديرًا ) فإذا كان ذلك التوجيه الرباني في حق المسلم العادي, فكيف هو بالداعية المهموم بنشر الخير بين الناس.. حينما تقارن هذا التوجيه الرباني بما قيل من قيادات ورموزعلى منصات وفضائيات ومقالات ومواقع للتواصل تدرك كم الخلل وكم الانحراف عن منهج اراده الله لعباده في أكمل صورة ...وحين يغيب التوفيق عن أحد, فإنه قد يكون بسبب قوة خصومه حينا أو مكرهم أو كيدهم ( أو قل ما شئت) , لكنه دائما ما يكون بسبب انحراف اهل الحق عن صحيح ما أمرهم الله أن يتخلقوا به
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.