من القول معناه أن يدعو الانسان علي غيره ويسبه ويشتمه أمام الناس, إلا من ظلم فله أن يقول ظلمني فلان, ولا يدعو عليه بل يقول: اللهم اعني عليه, اللهم استخرج حقي, اللهم حل بينه وبين ما يريد من ظلمي, وقال ابن عباس وغيره: المباح لمن ظلم أن يدعو علي من ظلمه, وان صبر فهو خير له, والله سبحانه وتعالي يقول: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم, وظاهر الآية يقتضي أن للمظلوم ينتصر من ظالمه, ولكن مع اقتصاد ان كان مؤمنا, فأما أن يقابل القذف بالقذف ونحوه فلا, وان كان كافرا فليرسل لسانه وليدعو بما شاء من الهلكة وبكل دعاء. ان الجهر بالسوء من القول في أي صورة من صوره سهل علي اللسان ما لم يكن هناك تحرج في الضمير وتقوي لله, وشيوع هذا السوء كثيرا ما يترك آثارا عميقة في ضمير المجتمع, وكثيرا ما يدمر الثقة المتبادلة في هذا المجتمع, فيخيل الي الناس أن الشر قد صار غالبا, وكثيرا ما يذهب بشاعة السوء بطول الالفة فالانسان يستقبح السوء أول مرة بشدة, حتي اذا تكرر وقوعه أو تكرر ذكره خفت حدة استقباحه والاشمئزاز منه وسهل علي النفس أن تسمع بل أن تري, ولا تثور للتغيير علي المفكر. الرسول عليه السلام يقول: انصر أخاك ظالما أو مظلوما فقال رجل يا رسول الله أنصره اذا كان مظلوما أفرايت ان كان ظالما كيف انصره؟ قال: تحجزه أو تمنعه من الشخص الذي وقع عليه الظلم, عندئذ يكون الخير الذي يتحقق بهذا الجهر مبررا له, ويكون تحقيق العدل هو الهدف لا مطلق التشهير, وقد جاء إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم يشكو جاره فقال عليه السلام: اذهب فاصبر فاتاه مرتين ثلاثا فقال: اذهب فاطرح متاعك في الطريق فطرح متاعه في الطريق, فجعل الناس يسألونه فيخبرهم خبره, فجعل الناس يلعنونه فجاء اليه جاره فقال له: ارجع لا تري مني شيئا تكرهه, وهكذا يوفق الاسلام بين حرصه علي العدل الذي لا يطيق معه الظلم وحرصه علي الاخلاق الذي لا يطيق معه خدشا للحياء النفسي والاجتماعي والخير للمسلم أن يصبر ويعفو عمن أساء.