بسبب ما يجري من الأحداث وما تراه مصر من ابتلاءات متتالية ومهيمنة علي الصالح العام ، نجد ان يوم الجمعة الذي هو نبراس ننتظر قدومه اسبوعيا لنتضرع إلي الله بالدعاء والمناجاة تطبيقا لقوله صلي الله عليه وسلم{ خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة } [رواه مسلم]. قد أحيل ليوم انتقام واحتجاج مستمر ، وتتغللت اوقاته أدعية سلبية علي أشخاص بعينهم، ومنظومات وأطراف سياسية عديدة. ولنا وقفة مع تلك المعضلة التي تستمد قوتها من البشر وعلي البشر أنفسهم، فقد حرم الله شتي أنواع الدعاء بالشر إلا في حالة واحدة لقوله تعالي"لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا {النساء: 148}، جاء في تفسير ابن كثير عن ابن عباس: لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ، يقول: لا يحب الله أن يدعو أحد على أحد، إلا أن يكون مظلوما، فإنه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه، وذلك قوله: إِلا مَنْ ظُلِمَ وإن صبر فهو خير له انتهى.
ولا ننسى أن الجمعة خاصة بها ساعة تفتح ابواب السماء وتجاب فيها الدعوات، لقوله صلي الله عليه وسلم { فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم، وهو قائم يُصلي يسأل الله - تعالى - شيئاً إلا أعطاه إياه } وأشار بيده يُقلِّلها. [رواه البخاري ومسلم]، وقيل أن تللك الساعة توافق ما بعد أذان العصر وقيل هي ليست معروفة ولكنها تتخلل اليوم كله، وهذا ما يجعلنا أن نتخذ من اليوم كاملا يوم دعاء فلعل دعائنا يوافق ساعة الإجابة.
والآن ونحن في عصر يفتن فيه الحكيم ، ويعلو صوت اللئيم وتختلط الأوراق بين الحابل والنابل وتتعاظم الشائعات بالإضافة إلي فوضي الفتاوي واستخدام الدين للتجارة، كل هذا يجعل الشك في الحكم علي الانسان بالظالم من أصعب ما يكون فقد تسمع شائعة عن مسئول معين وتدعو عليه دون تيقن أنه ظالم فتصيبك الدعوة بمثلها أو أشد منها ، وقد تصادف وقت إجابة فتقبل وترد إليك بعد حين ، فمن تضر إذا غير نفسك أولا؟.
ومن الشرور التي يجنيها العبد علي نفسه من الدعاء علي الآخرين ما يلي : 1 - تعود عاقبته علي الداعي : فمن أجمل ما نقله لنا السلف –رضي الله عنهم- عن مسلم في صحيحه عن عروة عن أبيه، أن أروى بنت أويس ادعت على سعيد بن زيد أنه أخذ شيئاً من أرضها فخاصمته إلى مروان بن الحكم، فقال سعيد: أنا كنت آخذ من أرضها شيئاً بعد الذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أخذ شبراً من الأرض ظلماً طوقه إلى سبع أرضين. فقال له مروان: لا أسألك بينة بعد هذا، فقال: اللهم إن كانت كاذبة فعم بصرها، واقتلها في أرضها. قال: فما ماتت حتى ذهب بصرها، ثم بينما هي تمشي في أرضها إذ وقعت في حفرة فماتت.
2- ليس بينها وبين الله حجاب ، اي أنها لا ينفع معها الندم والتراجع عنها حتي لو دعيت بالخير بعد أن تيقظت من شر ما فعلت وخاصة إذا وافقت ساعة إجابة: فروى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ لما أرسله إلى اليمن: واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب.
3 – يتحول الداعي من مظلوم إلي ظالم مالم يتيقن من وقوع الظلم عليه : فالعجيب أن المسلم الذي يضيع علي نفسه فرصة عظيمة للدعاء بالخير ليدعو شرا علي غيره ، هو ذاته من يضع الحسنات في كفة من يدعو إليه ، وتنقلب الدعوة عليه سوءا وشرا ، إذ تحول من داع لله إلي ظالم للناس.
4 – يساعد دعائك علي غيرك في تخفيف العقوبة عنه وينقص من أجرك : روى أبو داود في سننه عن عائشة رضي الله عنها أنها سُرق لها شيء؛ فجعلت تدعو عليه - أي السارق - فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تُسبّخي عنه )!! أما عن المراد بالتسبيخ هنا فقد جاء في النهاية لابن الأثير (2/332) رحمه الله: أي لا تخففي عنه الإثم الذي استحقه بالسرقة..
4 – تضيع من يدك فرصة عظيمة : ونحن إذ نضيع فرصة غالية من أيدينا في يوم الجمعة في سبيل إتباع الشيطان ،{ من اغتسل ثم أتى الجمعة، فصلى ما قدِّر له، ثم أنصت حتى يفرغ من خطبته، ثم يصلي معه، غُفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى، وفضل ثلاثة أيام } [رواه مسلم].فانظر كم يستغرق الوقت لتتمكن من الاستغفار والتوبة ليغفر الله لك يوم واحد مضي، فما بالنا بالجمعة التي تكون سببا لمغفرة سبعة أيام مستقبلية لم تأتي بعد، فتخيل نفسك مت في تلك الأيام وانت مغفور ذنبك.
5 – زيادة حسنات المدعي عليه : ومن جهة أعمق ، فالفرد الذي يدعي علي الناس إنما يخسر من حسناته ليضع المزيد علي سيئاته وفي المقابل يستفيد المدعو عليه باختلاس الحسنات ممن دعا عليه ظلما وبهتانا ،أي انك تقلب الصورة لتصبح أنت الظالم ويتحقق فيك قدر الله الذي دعوته لينال من خصمك، وكل هذا إذا لم تتحري الشفافية والصدق ولا تدعي علي أحد دون بينة الظلم .
6 - دعائك علي غيرك في ما عدا الظلم، إنما هو قلة إيمان بعدل الله تعالي ، وتدخل في محاسبة العباد، والأهم من ذلك أن الدعاء علي الغير يكون من ورائه كبر وغرور لامبرر له ، فما المشكلة أن يخطأ أحد أو يتسبب في ضرر لك دون قصد منه، فكلنا بشر نخطيء ، وانت نفسك تخطيء ، هل ترضي أن يدعي أحد عليك بالشر؟، بالطبع لا إذا فعامل الناس كما تحب أن يعاملوك.
نريد أن نهذب أنفسنا ونجتهد إلي الله في الخير جميعا، ونظرا لعظمة وخصوصية يوم الجمعة ، نناشد أنفسنا وإياكم أن نعفو عمن أخطأ في حقنا أو ظلمنا ونوكل حسابه إلي الله تعالي دون الدعاء بالشرعليه ، بل نتخلق بمكارم نبينا صلي الله عليه وسلم عندما قال "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون".