لم يكن الفساد أو الطغيان هي الأسباب الوحيدة للثورة ولكن كان هناك أيضا عنصر الزمن ، والدليل علي ذلك أن الوعد بالإصلاح والذي بدا جادا لم يؤدي إلي إخماد الثورة وظل شعارها الشهير ( الشعب يريد إسقاط النظام ) مجلجلا . نخطئ كثيرا لو تصورنا أن كل من هادن لم يكن مخلصا ، فهناك من الشرفاء من قال ( ما دام الرئيس وعد بالإصلاح وعدم الترشح لفترة جديدة لماذا لا ننتظر ؟ تجنبا للفوضي والاضطراب ) كان الجواب هو عنصر الزمن ، الإصلاح كان ممكنا قبل اندلاع الثورة أما وقد بدأت فالهدف هو التغيير وليس الإصلاح. الزمن الطويل الذي انفرد النظام فيه بالسلطة ثلاثون عاما ، عمر مديد ألم يكن فرصة أكثر من كافية ؟ الزمن الذي أجهض أحلام الشباب وكبتها وكان شعاره ( لا عمل ولا زواج ولا مشاركة ونرجو الالتزام بالهدوء و إلا سوف تتعامل معكم عصا الأمن الغليظة ) وهكذا تم كبت الطاقة المتأججة للشباب والتي لم تعد علامة قوة بل علامة ضعف ، وفي الحقيقة صار الضعفاء هم من يلائمون الوضع أكثر ( وضع الدولة الرخوة ) ، لأن الأقوياء تقصف بهم طاقتهم المتأججة التي لا تجد مخرجا . عنصر الزمن أدي للتراكم والاحتقان الذي أدت شرارة الغضب إلي انفجاره ، وهذا هو بالفعل ما يهدد كل الحكام المعمرين في السلطة ، أنتم احتكرتم الحياة لصالحكم وقمتم بتهميش العقول النيرة والسواعد الفتية ، كما أنكم تستخدمون مفردات وأساليب بالية وشباب اليوم صار مطلعا و حرا ولم يعد يخشي هياكل تستند لمنسأة متآكلة تخيف السذج والبسطاء . الشباب يريد الحياة بمذاق مختلف في كل شئ عما فرض عليه ربما من قبل أن يولد ، إن تأمل المشهد العام في مصر قبل الثورة تثير التعجب ، نظام بالي فاسد يديره مجموعة من العواجيز ، معارضة لا تتخير عن النظام في الفساد والعجز لأنها نشأت في ظله وسمح بوجودها كديكور ديمقراطي ، حتي الفن يتصدره فتي الشاشة ( عادل إمام ) و الفاتنة ( نادية الجندي ) وجوه احتار فيها خبراء التجميل بعد أن قلبت علي كل جهة طوال سنوات وسنوات . كل شئ عجوز قديم متهالك ومستهلك حتي الصحافة والتليفزيون ، مركز الإبداع والحرية المفترض صارت مجرد أبواق و نشرات دعائية وظيفتها الوحيدة الدفاع عن رموز النظام وترديد ما يشاءون . كان سطح المجتمع الذي يشكل واجهة النظام باردا تقليديا حديديا لا يستفيد منه سوي النخبة الحاكمة ، وتحت السطح كان الغليان والفوران ، شباب جديد مستنير تزكمه رائحة الفساد التي ضربت كل مفاصل المجتمع ، ولديه العزم والجسارة والرغبة في التغيير وبدلا من أن يشعر النظام بذلك إذا به يرمي عود الثقاب المسمي التوريث . عنصر الزمن هام جدا حاليا في فترة ما بعد الثورة ، التغيير يأخذ وقتا ، التليفزيون مثلا ارتفع سقف حرياته بشكل كبير ولكن العاملين به لم يتكيفوا بعد علي ذلك ، لأنهم اعتادوا العمل في ظل التوجيهات العليا والتعليمات و الخطوط الحمراء والصفراء وعلي كل لون ، من امتلك حريته فجأة لا يعرف ماذا يصنع بها ولكنه سيعرف طريقه بالتأكيد . ما حدث بعد كل الثورات العالمية كان مماثلا نوع من الفوضي والاضطراب والاستغراب أيضا حتي يتحقق الاستقرار للنظام الجديد ، بعد الثورة الأمريكية لتحرير العبيد ، كان العبيد المحررين من أشد الناس تخبطا فهاهم أحرارا وماذا بعد ؟ ماذا يفعلون بحريتهم ؟ ولكنهم بعد قليل صاروا مواطنين أمريكيين أحرار منتجين ومبدعين . الثورة لا تعني مجرد الإصلاح بل أكثر منه بكثير ، معناها التغيير الشامل والذي لا يقتصر علي تغيير الوجوه و الأسماء والمناصب ولكن تغيير التفكير والفلسفة التي يقوم عليها وهذا يتطلب وقتا ويتم تدريجيا ، إن صمام الأمان لنهضة مصر الجديدة هو تداول السلطة في كل المواقع ليأتي دائما دم جديد وفكر جديد مع رقابة جادة ومحاولات دائبة من الجميع لتطوير الفكر والأسلوب . [email protected]