قلق دولي حول حرية الصحافة فى مصر.. والنقابة تركض تحت مطرقة النظام على الرغم من أن عهد الرئيس المعزول محمد مرسى, قد سجّل رقمًا قياسيًا فى ملاحقة الصحفيين والإعلاميين بتهمة إهانة الرئيس، وفق ما أكدته الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان, والتي أوضحت فى تقرير لها، أن بلاغات الرئيس مرسى ضد الإعلاميين بلغت فى ستة أشهر فقط أربعة أضعاف ما شهدته الأعوام ال30 من حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك، و24 ضعفًا لعدد القضايا المشابهة التى شهدتها فترة تولى الرئيس الأسبق أنور السادات، وأكثر من كل حكام مصر منذ بدء العمل بالمادة التى تجرم إهانة رأس الدولة قبل أكثر من 100 عام، إلا أن ما شهدته صاحبة الجلالة عقب أحداث الثالث من يوليو قد فاق أضعاف ما حدث فى عهد الإخوان. ففي عهد مرسى صدر قرارًا من محكمة جنايات الجيزة بحبس الصحفى إسلام عفيفي رئيس تحرير جريدة الدستور احتياطيًا على ذمة المحاكمة، إلا أنه خلال ساعة أصدر مرسى قانونًا يمنع حبس الصحفيين وأفرج عنه, فى المقابل يعيش الآن مئات الصحفيين يوميًا تحت أسوار الزنازين والمعتقلات. وعلى الرغم من تصريحات النقيب ضياء رشوان بأن عام مرسى هو الأسوأ على حرية الصحافة، إلا أن الأحداث كشفت عن موقف نقابة الصحفيين ومجلسها من حرية الصحافة قبل وبعد أحداث الثالث من يوليو من مؤيد لحرية الرأي والتعبير. آلاف الشهداء سقطوا ومن بينهم المئات الذين رفعوا سلاح القلم والفلاش فى وجه النظام, ما بين الحسيني أبو ضيف وأحمد عاصم, من المسئول ومتى يقف قطار الدم! حرية الصحافة الحائرة بين الأنظمة.. والنقابة الغائبة كشف حادث مقتل تامر عبد الرءوف مدير مكتب الأهرام بالبحيرة، وإصابة زميله حامد البربري مساعد رئيس تحرير جريدة الجمهورية على أيدي قوات الأمن -طبقًا لكلام الأخير- النقاب عن موجة دموية جديدة لاستهداف الصحفيين, فحتى تأييدهم للنظام فلن يشفع لهم فى لحظة ما، ودقت موقعة الاتحادية أول مسمار فى نعش نظام الإخوان فعلى الرغم من سقوط عشرة قتلى بصفوف الإخوان عندما أطلق بلطجية مجهولون النار على أنصار ومعارضي مرسى سقط الصحفى اليساري الحسيني أبو ضيف. وعلى الرغم من وصف ضياء رشوان نقيب الصحفيين حكم الرئيس السابق محمد مرسى بالعام الأسود على حرية الصحافة, إلا أنه لم يدن النظام الحالي بكلمة ولا حتى طالب بمحاسبة المتورطين فى استهداف الصحفيين وصمت مجلس نقابة الصحفيين صمت القبور. خبراء: الحرية تائهة بين الفوضى والتكميم قال الدكتور صابر حارس، أستاذ الإعلام السياسي ورئيس وحدة بحوث الرأي العام بجامعة سوهاج، إن هناك محطات مضيئة لحرية الإعلام، الأولى كانت فى عهد الخديو إسماعيل, والثانية فى النصف الأخير من السبعينيات فى عهد السادات حينما أتاح تجربة المنابر وتعددت الأحزاب وآخرها كان فى عهد مرسى. وتابع صابر: "المراقب لحرية الإعلام فى عهد مرسى يجد أنها وصلت لدرجة الفوضى ليس فقد لتسامح مرسى وإيمانه بحرية التعبير ولكن أيضًا لصمت مؤسسة القضاء عن تجاوزات وسائل الإعلام" مضيفًا: "ويمكن أن تستدل على حرية الصحافة في عهد مرسى من مانشيتات الصحف نفسها ومن تطاول المذيعين دون وجود أي رد فعل من مرسى ومن خلال برنامج باسم يوسف يمكنك قياس حرية الإعلام". وأشار صابر إلى أن هناك حقيقة لم ولن تحدث فى تاريخ الإعلام المصرى هى أن الصحافة القومية والتليفزيون المصرى لأول مرة يصبح إعلامًا قوميًا وإعلام دولة, حيث كانت كل الاتجاهات الفكرية والسياسية معبرة عن نفسها بإعلام الدولة أما بعد مرسى عاد إعلام الدولة مرة أخرى إلى إعلام السلطة أو إعلام السيسى ولم يعد إعلامًا قوميًا وتحول المفهوم الخاطئ -أخونة الإعلام- إلى مفهوم حقيقي وهو عسكرة الدولة فى كل مفاصلها خاصة الإعلام والقضاء. واتهم صابر الإعلام بالسقوط فى مستنقع يصعب توصيفه ليس بمستنقع الحزبية ولا مهنية ولا مستنقع السياسية وإنما وصل إلى مرحلة جديدة تعجز بحوث الإعلام عن وصفها وهى خاصة بتخوين كل من ينادى بالمهنية والحيادية والموضوعية، والدعوة إلى الاتحادية والشمولية بحجة أن الدولة تعيش فجر الإرهاب وتشن حربًا عليه وبالتالي إن تلغى كل ذلك, فكيف ينادى الإعلام بتطبيقها فى مجتمع عدد سكانه 90 مليون؟!. وفى سياق متصل أكد الحقوقي هيثم أبو خليل، أن هناك تجاوزات هائلة بحق الصحفيين بعد أحداث الثالث من يوليو من قبل قوات الأمن, إلا أن الإعلام كأنه لم يكن له شهيد سوى الحسيني أبو ضيف, على الرغم من سقوط عشرات الصحفيين واعتقال آخرين. وأشار أبو خليل إلى أن حرية الرأي كانت فى دستور 2012 مكفولة تمامًا، والمعتقلات كانت خاوية من سجناء الرأي أو أي سجين سياسي، وما يدلل على ذلك كم التجاوزات الهائلة التى تمت فى حق مرسى وشيطنته.. فى حين أن ما وصفه بوثيقة 2013 استهلوها بمجزرة أودت بمقتل 68 مصريًا يوم 25 يناير الماضى. واستنكر أبو خليل، المحاكم العسكرية للصحفيين وآخرهم الصحفى ب"المصري اليوم" أحمد أبو دراع وغيره واستهداف وقتل آخرين وتصفيتهم, وغلق صحف وقنوات معارضة للنظام الحالي, فى ظل صمت نقابة الصحفيين المجرم على جرائم النظام. التعنت ضد الصحفيين يفوق المدى قال أحمد عبد العزيز الأمين العام لما يسمى ب"حركة صحفيون ضد الانقلاب"، إن الحركة رصدت 350 انتهاكًا ضد الصحفيين خلال 6 أشهر عقب 30 يونيه. وطالب عبد العزيز، بالإفراج عن الصحفيين المقبوض عليهم، والتصدي لكل الانتهاكات التى تحدث من جانب السلطة الحالية دون النظر لأي انتماء سياسي. ويبلغ عدد الصحفيين المعتقلين فى مصر أكثر من خمسين صحفيًا ومنذ 30 يونيه، تم اعتقال أكثر من 150 صحفيًا وإعلاميًا وقتل أكثر من 12 صحفيًا من بينهم ثلاثة أجانب برصاص الأمن وتعرض مئات الصحفيين والإعلاميين للضرب والإهانة وإتلاف معداتهم من كاميرات وأجهزة تصوير. وأضافت لجنة حماية الصحفيين الدولية: قُتل 6 صحفيين بسبب عملهم خلال عام 2013، سقط منهم ثلاثة قتلى فى يوم واحد، يوم 14 أغسطس، أثناء تغطيتهم لحملات قوات الأمن المصرية على المتظاهرين المؤيدين للرئيس المعزول محمد مرسى ولجماعة الإخوان المسلمين. ويقدر عدد الصحفيين الذين أصيبوا وتم الاعتداء عليهم من قوات الأمن عام 2013م، ما يقرب من ثمانين صحفيًا وصحفية، وإغلاق أكثر من عشر قنوات فضائية وصحيفة والاعتداء على كل العاملين فيها، واعتقال أغلبهم وترتب على ذلك تشريد مئات العاملين بتلك الوسائل الإعلامية والتي لا تزال مغلقة. وجاء موقف نقابة الصحفيين مخيبًا لكثير من أبناء المهنة، وأصبح يثير موجات سخط كبيرة ويشق وحدة الصحفيين، بعد أن تحول المجلس إلى أداة بأيدي النظام الحاكم ضد الحريات المهنية والحق فى الحياة. حملة عالمية للإفراج عن الصحفيين فى مصر تم إطلاق حملة عالمية لدعم الصحفيين المسجونين فى مصر على مواقع الشبكات الاجتماعية يوم 4 فبراير الماضى. وتهدف الحملة الطعن فى اعتقال الصحفيين والإعلاميين المصريين والأجانب، والمطالبة بالإفراج عنهم ومنهم ثلاثة صحفيين من قناة الجزيرة، والصحفي الاسترالي بيتر غرسته وزميلاه محمد عادل فهمى ومحمد باهر، بعد أن تم اعتقالهم 28 ديسمبر 2013 فى غرفة فى فندق ماريوت فى القاهرة. وقالت الحملة فى بيان لها إن هناك 16 صحفيًا مصريًا يحاكم بتهمة الانتماء إلى منظمة إرهابية والإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى، من خلال تقديم المال والمعدات والمعلومات ونشر أخبار كاذبة لإبلاغ العالم الخارجي أن البلاد كانت فى حرب أهلية. وأشار البيان إلى أنه الحملات القمعية توسعت على الحريات الأساسية فى مصر إلى الصحافة الأجنبية، مع وجود مؤشرات من الحكومة التى يقودها الجيش والتي سيتم الاعتماد على ادعاءات مبهمة التى استخدمت لسجن أنصار المعارضة والصحفيين المحليين لتكميم أفواه الصحفيين الأجانب على حد قولهم. وفى جانب آخر، نظمت "الصحفيين الأفارقة" مسيرة حاشدة فى العاصمة الكينية للمطالبة بالإفراج عن صحفى الجزيرة فى شرق أفريقيا بيتر غرسته واثنين من زملائه فى حوزة السلطات المصرية منذ ديسمبر والذين يواجهون المحاكمة. وفى نفس الوقت نظم أكثر من 150 من الصحفيين والمحررين ونشطاء المجتمع المدني مسيرة إلى السفارة المصرية فى نيروبي، يحملون لافتات كتب عليها "الصحافة ليست الإرهاب". وأكد البيان أن الحال فى بلدان أخرى فى أفريقيا مثل كينيا وإثيوبيا ومصر، فهي تتجه لتضييق الخناق على وسائل الإعلام وخنق حرية التعبير، حسب لجنة حماية الصحفيين -ممثل شرق أفريقيا-. منظمات حقوقية تعرب عن انزعاجها لما يحدث ضد الحريات حملت مؤسسات ومنظمات حقوقية فى تقرير لها بعنوان "أذرع الظلم" بنقابة الصحفيين، بينها النديم والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية والمركز المصرى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والحقانية وهشام مبارك للقانون ونظرة للدراسات النسوية وحرية الفكر والتعبير ومجموعة لا للمحاكمات العسكرية ومركز القاهرة، والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان مسئولية قتل المئات دون محاسبة وفتح التحقيقات لمحاسبة المسئولين، إضافة لعدم اعتراف الحكومة باستخدام الشرطة للعنف المفرط والقوة غير المبررة فى أحداث مثل الحرس الجمهوري والمنصة وفض رابعة والنهضة ومسجد الفتح، والتي أسفرت عن مقتل 1059 مواطنًا على الأقل. وأشار التقرير إلى أن وزارة الداخلية لا تحتاج لقوانين لممارسة القمع الذي تقوم به، وبالرغم من ذلك تقوم بوضع قوانين صارمة بحق المواطنين تنتهك حرياتهم، كان آخرها قانون التظاهر الذي أصدر أحكامًا بحبس عدد من الشباب، فى الوقت الذي ينتظر فيه العشرات المحاكمة. وأوضح التقرير أن قوات الأمن تقوم بإطلاق سراح من تشعر أن احتجازهم يلحق ضررًا أكبر من الإفراج عنهم كالصحفيين والفتيات والمحاميين، أما الشباب غير المعروفين فتبقيهم داخل السجن لأجل غير معروف. وعملت المنظمات الحقوقية على إلقاء المسئولية كاملة على الحكومة من قتل المئات دون محاسبة أو فتح تحقيقات تحديد المسئولين. وأظهر التقرير أعداد من قتلوا على يد قوات الأمن منذ 25 يناير، حيث بلغ عدد شهداء ال18 يومًا 1057 مواطنًا، وشهدت ال18 شهرًا التالية فترة حكم المجلس العسكرى قتل 438 مواطنًا، وقتلت الشرطة فى عهد مرسى 470 مواطنًا. أما فى عهد الرئيس المؤقت عدلي منصور ووزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، فى الفترة من خلع مرسى حتى نهاية أكتوبر 2665 مواطنًا بينهم 2237 فى احتجاجات سياسية، و11 صحفيًا، و62 وفاة داخل أماكن الاحتجاز. وأشار التقرير إلى مقتل 78 مواطنًا فى شهر نوفمبر الماضي، بينهم 6 أطفال و9 طلاب و4 قتلوا فى مقرات الاحتجاز داخل السجون وأقسام الشرطة و3 من رجال الأمن. أما عدد المصابين كما أشارت إليه المنظمات وصل إلى 15913 مصابًا فى الفترة من 3 يوليو حتى 3 ديسمبر، وفى حكم مرسى وصل عددهم إلى 9228. وقالوا إن عددًا كبيرًا من المصابين لم يذهبوا للمستشفيات خوفًا أن يتم القبض عليهم، إضافة إلى أن قوات الأمن تقوم بالقبض عليهم قبل العلاج. وإعلاميًا تعرض 112 صحفيًا لانتهاكات تراوحت بين الاعتداء مختلفة بين قتل وعنف ومنع من التغطية، أو الاستحواذ على الأجهزة التى يتم من خلالها نقل صورة الحدث، حيث قتل 9 إعلاميين، وتم الاعتداء بدنيًا على 52 إعلاميًا فى الفترة من 26 يونيو إلى 26 أغسطس. وبين التقرير أن فترة بدأت من 3 يوليو حتى نوفمبر شهدت احتجاز 510 طلاب، قبض عليهم داخل الحرم الجامعى وخارجه معظمهم من طلاب جامعة الأزهر. وأوضح التقرير الحقوقي أن 19 امرأة قتلت فى فض رابعة والنهضة، واعتقال 184 امرأة وفتاة منذ فض الاعتصام وحتى ديسمبر الماضي، إضافة إلى أن معظم المقبوض عليهن تعرضن لسوء المعاملة والضرب والسب، و15 فتاة فى سجن القناطر تعرضن لكشف العذرية بواسطة السجانات.