في عام 1859 م قام عالم الأحياء الإنجليزي تشارلز دارون بإصدار كتابه أصل الأنواع "On the Origin of Species" و الذي أسس فيه لنظرية التطور و التي واجهت كثيراً من الجدل ما بين مؤيد و معارض , ويرجع هذا الجدل حول هذه النظرية للعديد من الأسس التي أستندت عليها مثل: الإنتخاب الطبيعي و النشؤ و الإرتقاء و توارث الطفرات. وعلي مدار السنين قام العديد من الباحثين و السياسين و العلماء و رجال الدين بمحاولات دؤوبة إما لتعضيد وتدعيم نظرية دراون مثل آرثر كيت , جوليان هيكسلي , برتراند راسل , كارل ماركس , فرويد و دور كايم . أو فريق آخر يحاول إبطال مزاعم دارون و نسف نظرية التطور من جذورها أمثال لويس باستير , أغاسيرز , كريس موريسون , ستيوارت تشيس , أوستن كلارك , ريتشارد داوكنز وجان باتيست لامارك. وكلاً من الفريقين له فروضه و مزاعمه التي يحاول بها أن يؤسس لرأيه , و هكذا الحال علي مر السنين يأتي أحد الباحثين إما يحاول إبطال أو يحاول إثبات. ومن الذين حاولوا إثبات النظرية و الإنتصار لها و يعنينا هنا هوالعالم جان باتيست لامارك وهو أحد مؤسسي نظرية الطفرة و حاول تدعيم نظرية التطور بقوله أن الزرافة ماهي إلا نوعاً من الغزلان إعتاد التغذي علي أوراق الأشجار العالية لندرة النباتات العشبية فأستطالت رقبته جيلاً بعد جيل حتي أصبح زرافا.........!!!!! حتي أنه ذهب الي أبعد من ذلك فأدعي أنه إذا تم قطع أيدي أفراد من عائلة ما طوال عدة أجيال متعاقبة فإن أحفاد تلك العائلة ستولد بدون أيدي ......!!!! تصوروا ذلك يا سادة , وللأسف الشديد هناك الكثير من الذين أستهوتهم هذه النظرية ولم يصدقوها فحسب بل يروجوا لها و بشدة وذلك لإن أياً من الفريقين لم يقدم إجابات و براهين شافية و كافية ولكن شباب مصر في يوم الثلاثاء 25 يناير 2011 أو ما يطلق عليهم شباب الفيس بوك أو شباب الإنترنت أو شباب التويتر و مواقع التواصل الإجتماعي أو أي مسمي آخر كما يروج من يريد أن يقلل من شأن و أهمية هذه الهبة الشعبية المباركة. والحقيقة أن المصريين منذ عام 1952 يعيشون في دولة العسكر مروراً بالبوليس السياسي و البوليس السري و زوار الفجر و حتي جهاز مباحث أمن الدولة فصار الخوف من تلك الفزاعة التي صنعها النظام المصري عقيدة ومذهبا عند أغلب المصريين حتي صارت الأمثال الشعبية التي تتردد علي الألسنة تشتمل علي تلميحات من هذا القبيل مثال "إمشي عدل يحتار عدوك فيك" , "ويابني إمشي جنب الحيط" "والجبن سيد الأخلاق" "ومن خاف سلم" وغيرها من الأقوال و العبارات الخايبة التي شب عليها الصغير و شاب عليها الكبير. وبتطبيق نظرية دارون علي المصريين أتي جيلاً بعد جيل يروج لهذه الأمثال و المخاوف و المزاعم حتي إنها ظلت تورث في الجينوم الخاص بكثير من المصريين وساهم في ترسيخ ذلك تدخل النظام البوليسي في دولة العسكر في كل شأن من شؤن حياة المواطن المصري : في الإتحادات الطلابية , المجالس المحلية , النقابات المهنية , مجالس الشعب و الشوري , التعينات و الوظائف حتي صاروا يتدخلون في إختيار المصريين لزوجاتهم وربما متي و أين وكيف يتناسلون ونوعية المولود و ربما كانوا سيتدخلوا في كيف و متي و أين سيموت اي مصري في المستقبل ..............!!!!! كل ذلك يحدث علي الرغم من أن تاريخ مصر الحديث يزخر بالعديد من الثورات مثل ثورة عرابي و ثورة الشعب في 1919 , لكن جينات الخوف و الرعب أنست المصريين عز أسلافهم من الثوار و جعلتهم في خضم الغلاء و أرتفاع الأسعار و اللهث وراء لقمة العيش و التفكير في مستقبل الأولاد و .....و........و.........و.....كل ذلك أحدث حالة من الضمور في جينات الفوران و الثورة و الأعتراض المنظم علي الظلم بشتي أنواعه. ولكن المصريين الذين يتصفون دائماً بصبر الجمال وطول البال كما علمونا زمان "طولت البال تهد جبال"هبوا تلك الهبة و قاموا تلك القومة ويالها من هبة ويا لها من قومة وقالوا قولتهم الفاصلة في أن الجبن و الخوف و الذل و الخضوع و الإستسلام و سياسة الإنبطاح و الرضوخ لم تعد تسري في هذه الأيام و لم تنقل لهم في شفرة الجينوم من أسلافهم , ولم يعد هناك مكان لتلك الجينات التي تشفر لكل صفات الذل و الخنوع و الخضوع في جينات هؤلاء الشباب ولم تعد تورث هذه الطفرات في جينات الشباب و بذلك سقطت كل مزاعم نظرية دارون. فالتحية كل التحية لشباب ثورة 25 يناير الذين وقفوا في وجه الظلم و الطغيان وأسقطوا أصنام الإستبداد ورموز الفساد حتي ذكروا المصريين أن دولة الظلم ساعة و دولة الحق الي قيام الساعة , والمجد للشهداء الذين قتلوا ظلما وعدواناً برصاص و قنابل الظالمين , ويسقط الظلم و الظالمين و الفساد و الفاسدين و المفسدين....ويسقط القهر و الطغيان و البطش و الإستبداد و يسقط تشارلز دارون بالمرة. كلية العلوم – جامعة قناة السويس – [email protected]