أذهلتم العالم كله حتى آبائكم وكنتم فوق كل التوقعات التي رصدوها بوسائلهم الحديثة، حطمتم صروحهم التي سخروا لها أحدث التقنيات ، فكان لكم ما أردتم من تغيير وإصلاح هو قادم ومحقق لا محالة بعد أن شهدت الدنيا لكم وبعد أن أزلتم حاجز الخوف الذي ورثتموه منا، فكنتم معلمونا بعد أن توهمنا أننا معلموكم . لكن الأمر ما زال في بدايته فجسد الفساد تخمر وتعفن وثقل وتمدد كالأخطبوط في كل ربوع مصر. عليكم أن تبدأوا بتحرير رفاقكم وأمثالهم من معتقلات مصر وسجونها وترفعوا عنهم ظلم ذيل النظام الذي ما زال يرعص، ويرعاكم المولي، وترعاكم قواتنا المسلحة صاحبة الصفحات الناصعة في تاريخ بلادنا. وعليكم أن تشكلوا منكم دون غيركم لجنة تحصي شهداءكم وجرحاكم وتوجدوا ما يعينهم وذويهم علي تخطي محنتهم، ولا تكرروا الإهمال الذي أحاط بشهداء حرب العبور وجرحاها ومعوقيها، لا تختذلوا ثورتكم فيمن يصبح ذائع الصيت أو من يستطيع السطو علي السلطة أو استثمار الحدث لصالحه من أصحاب الكلام المزيف والكراسي الناعمة والقصور والمنتجعات الراقية. تصوروا أن الشاويش عبد العاطي إبن محافظة الشرقية صائد الدبابات في حرب العبور مات بمرض الكبد دون أن يمنح قرار للعلاج علي نفقة الدولة وعاني حتى منوا عليه بوظيفة فراش في مدرسة بعقد بمائة جنيه في الشهر، وأولاده وأهله ما زالوا يعانون، فهل سيعلمون أولادهم كيفية الدفاع عن الوطن ؟ تصوروا أن الجندي الذي أسر عساف ياجوري قائد المدرعات الإسرائيلي ضنت عليه بلاده بوظيفة خدمية في الوحدة المحلية ؟ تصوروا أن الفريق سعد الدين الشاذلي أحد أبرز الكوادر العسكرية المصرية في حرب العبور وما قبلها لقي ربه أثناء ثورتكم دون أن يسافر للخارج للعلاج علي نفقة الدولة مثل فنان أو راقصة باليه أو لاعب كرة أو سالب للأموال لكونه في السلطة ؟ بل تتصوروا أن هذا الزعيم الوطني أخذ حسابه من السجن علي يد رفاق السلاح لمجرد اختلافه معهم في الرأي ؟ تصوروا أن الذين قاموا بتمثيل جوانب من حرب العبور في ضرب إيلات أو عبور القناة في أفلام مفبركة وهابطة قد تقاضوا الملايين من أموال الشعب وأن الذين صنعوا الحدث الحقيقيين سواء منهم من قضي نحبه أو ينتظر لم يتقاضوا أي شئ ؟ تصوروا أن من أكثر الذين تقاضوا أموالا ونالوا عناية من النظام في العلاج في الخارج برعاية السفراء والوزراء أناس قاموا بعمل جليل لمجرد أنهم اختذلوا بألحانهم الراقصة حرب العبور في الضربة الجوية التي فتحت هي فقط باب الحرية ، وبعد أن أدركوا الآن أن باب الحرية قد تحطم علي أيديكم راحوا يتلمسون بعبارات ممجوجة وحيل مكشوفة أبواب الحرية التي فتحتموها بثورتكم كي يلحنوا لكم ؟ تصوروا أن ما أنفق علي الأفلام والأغاني الهابطة التي اختذلت قادة مصر ورموزها في شخص واحد ونسيت اليتامي والثكالي والمكظومين والمكلومين والأرامل أكثر مما أنفق علي تعمير سيناء أو تعمير ما تحطم من مدن القناة ؟ تصوروا أن عدد الذين حاربوا في الصمت وسخروا حياتهم لخدمة أوطانهم تركوا في العراء ولم يلتق بمن تبقي منهم سوى كاتب وطني هو الأستاذ محمد الشافعي الذي يعمل في دار الهلال لمجرد رفع معنوياتهم دون أن تنتبه إليهم يد حانية أو قلب رحيم أو كاتب أو مؤرخ لأن التاريخ أوقفه الملحن الكبير ومطربوا السلطان الذين يأكلون علي كل مائدة عند باب واحد للحرية ؟ بل تتصوروا أن نصيب الفرد في إسرائيل من منتجعاتنا وسواحلنا وثروتنا السمكية وبترولنا وغازنا أكثر من نصيب من ضحوا بدمائهم لتحريرها ؟ تصوروا أن كتابنا ومفكرينا وإعلامنا لم يبد اهتماما برصد وثائق العبور العظيم واللقاء بمن تبقي من عازفي هذه السيمفونية الرائعة وفضلوا الإنفاق علي السيرة الهلالية ؟ هل من بينكم من يعرف الخطة بدر وعازفها ورفاقه الزعيم محمد عبد الغني الجمسي الذي حدد فيها اليوم والساعة واتجاه الظل واتجاه الشمس واتجاه الرياح واتجاه الرمال، ثم مات في صمت دون أن نخرج لوداعه في مليونية يستحقها لأن باب الحرية كان واحدا فضاق علي محبيه ومقدريه ؟ يطول بنا استلهام أمثلة فريدة ومثيرة بعد أن فتحتم بقية أبواب الحرية وأزلتم كل الخوف حتى من الموت ، فإياكم ودماء شهداء ثورتكم ، عودوا علي أسرهم وأسر الجرحي وناضلوا حتى يأخذوا ما يستحقون من حق ، واقتصوا بالعدل من قاتليهم من أعداء العدل والحق والحرية ، علموا الجيل الحالي والقادم أن مصر لا تنسي دعاة الحرية كما علمتمونا الحرية ، علموهم أن يتهيأوا دوما لدفع ثمن الحرية فهناك من يقدرها ، لا تقعوا في الصمت أو النسيان فدماء الشهداء والمعاقين والمصابين تناديكم وستظل تلاحقكم وثقوا أنكم المنصورون وأن جند الحق هم الغالبون .