يفتقد الدور العربي في أحداث وتطورات المنطقة إلى الاستقلالية في اتخاذ المواقف ، وضبابية الرؤية والارتجالية فيما يتعلق بالقرارات المصيرية ذات الأبعاد السياسية والاقتصادية والثقافية المتصلة ببلدان وشعوب المنطقة العربية . وهذا الدور يشبه إلى حد كبير دور من يسعى لإضفاء الشرعية على عمليات غسيل الأموال، بمعنى شرعنة ما هو غير شرعي أصلا . فالدور العربي فيما يُسمّى بعملية السلام هو عملياً شرعنة وجود إسرائيل, والدور العربي فيما يُسمّى الحرب على الإرهاب – في جانب كبير منه - هو شرعنة الحرب على الإسلام باسم "مكافحة الإرهاب ", و أخيراً الدور العربي في العراق، و الذي لا يأتي" لشرعنة " الاحتلال فقط، و ذلك لأنّ "الشرعنة " قد تمّت منذ فترة، و إنما لمساعدة الأمريكيين على الخروج من الجحيم العراقي . الدور الذي تريده أمريكا هذه المرّة من العرب هو في العراق المحتل ، و لكن ماذا تريد أمريكا؟ الجواب كتبه (أنتوني كوردسمان) الباحث المختص بقضايا الشرق الأوسط و خاصّة العراق في مركز الدراسات الإستراتيجية و الدولية في واشنطن في مقال له بعنوان: "الدور العربي في العراق"، و اقترح فيه إستراتيجية عربية تجاه العراق تقوم على: أولاً: تعاون العرب التام مع الحكومة العراقية، و التحالف، و ذلك من خلال تقديم الدعم الدبلوماسي، و فتح السفارات، و التواجد على الأرض في العراق أقلّه في المنطقة الخضراء التي تؤمن قدراً من الحماية تحت المظلة الأمريكية . ثانياً: إلغاء ديون العراق كي لا يكون هناك عبء على الحكومة الجديدة، و تقديم مساعدات معتبرة للحكومة التي ستقوم بتوزيعه بدورها بشكل عادل على الشعب العراقي، و في كافة المناطق. طبعاً نحن مع الغاء ديون العراق، و لكن لماذا لا تلغي الدول الأجنبية ، و التي دمّرت العراق و شعبه ديونها أولاً، و تقدّم هذه المساعدات التي يتكلم عنها، و تُرجع الحكومة الأمريكية ما سرقته من أموال النفط مقابل الغذاء، و من ثمّ ما سرقه بريمير و الأحزاب و الميليشيات الشيعية، و بعدها لا ضير في أن يأتي الدور العربي. إنّ ما يريده (كوردسمان) من هذا الاقتراح هو في الحقيقة دعم الحكومة العميلة، و استنزاف الفوائض البترولية التي تمّ تحقيقها مؤخراً, بمعنى أن يكون العرب البقرة التي تحلب الأموال مقابل كل الحروب التي تخوضها أمريكا على الساحة العربية الإسلامية ، و حتى التي تخوضها ضدّ الطبيعة "كاترينا", أمّا فقراء المسلمين، و ضحايا الزلازل منهم، و أسرهم و أبناؤهم فنرى ما تستطيع الأممالمتحدة تقديمه في هذا الخصوص!! هذا هو منطقهم. ثالثاً: المساهمة و المساعدة في الموضوع النفطي، و تدريب كوادر عراقية ذات خبرة!! و هذا معناه الاستغناء عن كل العراقيين أصحاب الكفاءة في هذا المجال، و استبدالهم بموظفين جدد على توافق مع أفكار و توجهات الأمريكيين، و يكونون خدماً مطيعين عندهم للسيطرة على القطاع النفطي، و ضمان ألاّ يتسلم هذا القطاع أناس ممن كانوا سابقاً فيه. رابعاً: إغراء السنّة العرب بأن المساعدات ستصل إليهم، و إلى مناطقهم فور إنهائهم "للتمرد "، و المشاكل الأمنية كما يقول. و هذا معناه حقيقة نقل رسالة تهديد واضحة عبر العرب بأنّه إذا لم ينخرط أهل السنّة في المشروع العراقي الجديد, فسيقوم الأمريكيون و أعوانهم بتدمير المدن السنّية، و المناطق التي ينطلقون منها. و طبعاً حرصوا على إعطاء بعض النماذج في الفلوجة و تلعفر و الرمادي و غيرها من المناطق التي سوّوها بالأرض. خامساً تكثيف الضغوط على سوريا و إيران لتحقيق الاستقرار و الأمان في العراق. سادساً: مراقبة الحدود المشتركة مع العراق جيداً، و منع أي شباب متطوعين من الانخراط في أعمال "التمرّد" العراقي. و هو هنا يطلب من الحكومات إلغاء الإيمان و الكرامة و العزة حتى لدى الشباب، و لا ينسى أن يذكّر الحكومات بقوله: إنّه مهما كانت دوافعهم اليوم (أي الشباب المتطوع) فإنّهم سيشكلون تهديداً للتطور، و للحضارة، و للنمو في العالم العربي غداً!! سابعاً: العمل مع الحكومة العراقية لمنع التدخل الإيراني، و طبعاً ذلك لا يعجب المسؤولين العراقيين الشيعة، و لكن يجب ألاّ يكون الجيش عبارة أيضاً عن مجموعات طائفية و عرقية. إذاً هو في هذه الفقرة يعترف بأنّ الحكومة و الشيعة منها خاصّة موالون لإيران بقدر ما هم موالون لأمريكا و أكثر قليلاً أيضاً. و هو كذلك يعترف بأنّ الجيش الذي تعدّه أمريكا و تستعين به لتدمير المدن المقاومة هو جيش عنصري طائفي ، و لو كان عكس ذلك لما تكلم (كوردسمان) عنه بهذا الخصوص. أخيراً و ليس آخراً ينصح (كوردسمان) الدول العربية باتّباع نموذج الأردن و بعض دول الخليج!! و ينصح بعض الدول أيضاً بأن تقدم ما لديها من مساعدات عسكرية من دبابات و عربات عسكرية قديمة لديها للجيش العراقي!! و لا ينسى أن يضيف "عراق اليوم لم يعد يشكل تهديداً عسكرياً ( بالطبع لإسرائيل ) !! نعم هذا هو العراق الجديد الذي يتحدثون عنه، و بإمكانكم مقارنته مع ما يقولون: إنّه كان عراق صدّام حسين و استخلاص العبر: العراق القديم كان: 1- الأول في إنتاج النفط في العالم بعد المملكة العربية السعودية و قبل الحصار، و من ثم التدمير, و أصبح عراق اليوم الذي كان يوزع المنح النفطية، و الهبات يستجدي بضع جالونات من البنزين لعدد محدود من السيارات!! 2- عراق الأمس صاحب الاكتفاء الذاتي من القمح أصبح يستورد كل ما يحتاجه من القمح من إيران و أمريكا!! 3- عراق الأمس صاحب الاكتفاء الذاتي من الكهرباء، و الذي استطاع في ظرف أسبوع إعادة الكهرباء إلى كامل العراق بعد تدمير الشبكة تدميراً كلياً من قبل قوات الحلفاء في عملية ثعلب الصحراء, أصبح اليوم يشتري الكهرباء من إيران، و بالكاد ينير مكاتب المنطقة الخضراء و بعض مؤسسات و مناطق الأحزاب العميلة. 4- عراق الأمس صاحب المياه و نهري دجلة و الفرات يموت اليوم عطشاً!! 5- عراق الأمس صاحب الجيش العريق و القوي و المعدات المتطورة قبل الحصار و التدمير يستجدي اليوم بعض الآليات و العربات العسكرية "القديمة" ممن يحب أن يتبرع له بها!! 6- عراق الأمس صاحب الثروة العلمية و الساعي للتكنولويجا النووية و أبو العلماء العرب أصبح اليوم يستنجد بالخبرات الأجنبية، و يعيّن مستشارين غربيين في جميع القطاعات الرسمية و الخاصة!! 7- العراق القديم الذي كان خالياً من الصهيونية و الفارسية أصبح اليوم مرتعاً خصباً لهما، و مصدراً منها إلى الدول الأخرى!! هكذا كان عراقنا القديم، و هكذا أصبح عراقنا الجديد, و من لم يفهم بعد نقول له: هذا هو عراق "الحرية و الديموقراطية" الذي تريده أمريكا نموذجاً للمنطقة العربية !! المصدر : الاسلام اليوم