علينا أن نعترف بأن جيلا من الشباب الناضر كالورد، قد تجاوزنا جميعا ، وفاجأنا جميعا، وجعلنا جميعا نرى وجها لمصر غير الذى تعودنا عليه على مدى الثلاثين عاما الماضية والذى كدنا معه أن نفقد الأمل فى إمكان انتفاضة قريبة . علينا أن نعترف بأن هناك جيلا كان يتخلق فى الفضاء الإفتراضى عبر شبكات التواصل الإليكترونية... نعم ، كنا نشعر به على نحو ما وكان الكثيرون منا يتابعونه بشكل أو بآخر، لكننا لم نكن نعرف حجم قدرته على الفعل والتأثير إلا مع انتفاضة 25يناير،.... والواقع أنه بعد نجاح الإنتفاضة التونسية راح الكثيرون من المحللين والمتابعين يتساءلون عن الأسباب التى عرقلت قيام انتفاضة فى مصر رغم أن مجمل الأوضاع فى مصر كانت كما أوضحت فى مقال سابق أسوأ بكثير من مجمل الأوضاع فى تونس ، وقد خلص بعضهم إلى عدد من الفوارق والإختلافات التى تميز الحالة المصرية عن التونسية ، وهى اختلافات بعضها صحيح بالقطع، كما أن دورها فى تأخير الإنتفاضة صحيح بالتأكيد ، لكنها كانت تنطبق فقط على ذلك السطح الهامد الذى تعايشنا معه على مدى ثلاثين عاما، ولم تكن تنطبق على تلك الأمواج الحية النابضة فى العمق التى كانت تتخلق وتنمو ويشتد عودها فى الفضاء الإفتراضى ، كانت تلك التحليلات تنطبق علينا نحن الأجيال القديمة فى حقيقة الأمر !! نحن الذين شاخت أفكارنا ربما بأكثرمما شاخت أجسامنا ، ولم تكن تنطبق بحال من الأحوال على ذلك الشباب النابض كالورد الذى قرر بعد نجاح التجربة التونسية أن يضع قوته على المحك وأن ينتقل من فضائه الإفتراضى إلى أرض الشارع المصرى معبرا عن آماله وأشواقه إلى الحياة الحرة الكريمة ....وهنا ينبغى أن نسجل أن شبكات التواصل الإجتماعى ( الفيسبوك التويترز ..الخ ) كان لها فى مجال الإنتفاضة أكثر من دور، وأكثر من وظيفة ، فهى أولا وقبل كل شىء قد أنشأت تلك اللُحمة التى خلقت ذلك المجتمع الحى والنابض ، وهى ثانيا قد ساهمت فى إرساء منظومة القيم الحاكمة لأفراد ذلك المجتمع الإفتراضى وفى مقدمتها قيمة الحرية والكرامة والمساواة ، وهى ثالثا قد ربطت أفراد ذلك المجتمع الإفتراضى بما يحدث بكل مكان فى العالم المعاصر، فألغت بذلك تلك الميزة النسبية التى كانت تتمتع بها التجربة التونسية وهى قربها الشديد من أوروبا ، أضف إلى ذلك كله أن شبكات التواصل يبقى لها بعد مرحلة التكوين والإنشاء ، يبقى لها أنها العنصر الأساسى فى التنظيم والتوجيه والتحرك ، هكذا نزل شباب الفيسبوك إلى الشارع مفاجئين الجميع بحجم تنظيمهم وقدرتهم وفعاليتهم ، وقبل ذلك وأهم من ذلك بحجم تحضرهم ونزاهتهم ونصاعتهم وبرائتهم من العلل التى تنخر فى جسد الأحزاب والجماعات والقوى السياسية المهترئة التى تنخر أجسادها الإحن والضغائن والصراعات والتوجهات الفئوية أو الطائفية ، هكذا نزل شباب الفيسبوك إلى الشارع بغير قيادات أو زعامات تقليدية ، لايحركهم ولا يحكم حركتهم إلا حسهم الوطنى السليم وأشواقهم العادلة ، فكان نزولهم إلى الشارع هو البداية الحقيقية للزلزال الأكبر الذى سوف يزلزل كل شىء ويعيد كتابة التاريخ المصرى الجديد.. [email protected]