ما أرخص الدماء في بلادي، وما أبخس ثمن ارواح مواطنيها، تزهق الروح تلو الروح، وتتناثر الاشلاء خلف الاشلاء، وتسكب الدماء انهارا، ومع ذلك لا ثمن لروح، ولا حرمة لدماء.. شهد التاريخ المصري محطات كارثية انسانية، وثبت بما لايدع مجالا للشك أن المواطن المصري أرخص ثمنا من غسالة هاف اوتوماتيك كوري، كما قال احد الاخوة العرب. ومع الذكرى الثامنة لغرق العبارة السلام 98 والتي راح ضحيتها مايزيد عن الف مواطن فضلا عن مئات المصابين، وما تسببت فيه من خراب لبيوت، وتأرمل لنساء، وتيتم لاطفال، وتشرد لاسر بأكملها، في الوقت الذي كانت رقصات جمال مبارك ووالدته المصونة تتصدر شاشات الفضائيات وسخرية الوالد الكريم تصم الاذان. وقتها انتحب الجمع، واكتسى الشعب بأكمله بثياب الحداد، وباتت مصر وكأنها في مآتم لاعزاء فيه، فمن يعزي والبلد كلها ميت، واعتقد البعض أن جريمة بهذا الحجم لايمكن أن تمر مرور الكرام، وأن أقل شيئ يمكن أن يقدم للمكلومين من ذوي الضحايا أن يثأروا لاهليهم، وأن يشفوا غليلهم حين يرون من تسبب في قتل ابنائهم وقد التف حبل المشنقة فوق عنقه...لكن هيهات هيهات..فمن أنت ايها المواطن ليشفى غليلك؟ ومن أنت ايها القتيل ليثأر لك؟ في ظل فساد ماترك مؤسسة ولا عقلا في هذا الوطن إلا ونخره.. وقريبا تم اسدال الستار على هذه الكارثة بحكم مخيب للآمال، اصاب اهالي الضحايا باليأس من هذا الوطن الذي مانصفهم مرة واحدة، جميع المتهمين في تلك الجريمة براءة، ولم يدان أحد في تلك القضية، ليرفع اهالي الضحايا صور ذويهم عائدين الي بيوتهم وكلهم حسرة، ولا ثقة لهم في هذا الوطن...وشعار حالهم " حسبنا الله ونعم الوكيل".. ولم تكن هذه هي الكارثة الواحدة التي اصابت العدالة المصرية في مقتل، فلدينا شهداء محمد محمود، شهداء مجلس الوزراء، شهداء رابعة العدوية، شهداء النهضة، شهداء رمسيس، شهداء المطرية، شهداء الدفاع، شهداء الحرس الجمهوري، شهداء السويس والمنصورة ورجال الشرطة والجيش ....والنتيجة ...لا متهم..لا مدان...لاحكم...وكأن ارواح من رحلوا لاتساوي شيئا عند أهل الحل والعقد في بلدنا... ومن العجب العجاب ونحن في ذكرى موقعة الجمل الشهيرة والتي يتذكرها كل مواطن عن ظهر قلب، خرج علينا محامي المتهمين في تلك القضية ليؤكد لنا أن من كان يرتاد الجمال والاحصنة التي تم تصويرها كانوا فنانين جاءوا ليحتفلوا بالثورة مع الثوار بميدان التحرير، وكأن الشعب المصري مغفل واهبل وساذج الى هذا الحد، وللاسف انتهت القضية على نفس الحكم..لا جريمة..لامدان...لامتهم..البراءة للجميع...ولا حول ولا قوة الا بالله. كيف تطلب مني أن اكون وطنيا في وطن غابت عنه العدالة، وانزوت خلف ستار الظلم رؤوس العدل والمساواة؟ كيف تطلب مني أن اقدم لوطني حياتي في الوقت الذي اعرف فيه أنها لاتساوي شيئا عن اباطرة هذا الوطن؟ كيف تطلب مني أن اكون ملاكا في مدينة الشياطين؟ ...القصاص العادل هو السبيل نحو اعادة المواطن الى وطنه، والشعب الى بلده، والضمير الى اصحابه...القصاص هو من يريح صدور اهالي الضحايا وينزع منها الانتقام ليضع مكانها الرضا بقضاء الله وقدره بعد ان يتيقنوا أننا نحيا في دولة ترسي قواعد العدل وليس دولة أرخص مافيها ارواح العباد التي لاتساوي كلب عند سيد من اسيادها.....واختم بجملة واحدة...إن غاب العدل عن الدولة سقطت الدولة...