لا أعرف من الذي سمح لوائل الإبراشي بإذاعة لحظات فزع شهداء الطائرة الحربية التي أسقطت في سيناء على يد التنظيم الإرهابي ، ومن الذي وصل له هذا التسجيل الذي يعتبر من الأسرار العسكرية في أي عرف وأي بلد ، والحقيقة أني لم أجد أحدا ممن سمع التسجيل اقتنع لحظة واحدة بما قاله وائل من أن التسجيل وصله من أسرة أحد الشهداء ، لا يوجد أب أو أم يمكنه أن يتاجر بشهقة فلذة كبده لحظة الموت ، حتى ولو كان ينطق الشهادتين ، لا يوجد أحد لديه أي ضمير يسمح بنشر تسجيل لأصوات ضباط وجنود في حالة فزع ورعب وذهول وصراخ لحظة الموت ، شبان في عمر الزهور مكلفين بمهمة وطنية لملاحقة مجموعات إرهابية تعيث فسادا في سيناء ، كنت أشعر بالغيظ الشديد عقب سماعي لنص التسجيل القصير صباح اليوم بعد أن انتشر أمره ، إنها خسة وقلة ضمير وانعدام الإحساس بالمسؤولية تجاه الوطن أن يتم بث هذا التسجيل على الناس في قناة فضائية ، مهما حاول الإعلامي تبرير ما فعل بأنه لجلب التعاطف مع الضحايا والشهداء ، هو نفسه في حلقة برنامجه وقبل أن يتكلم عن التعاطف المزعوم ، تاجر بالتسجيل ووصفه بأنه انفراد وحصري له ، حصري في عينك وعين من وصل لك هذا التسجيل وأهان العسكرية المصرية كلها ، هل أصبح شرف العسكرية وشهداؤها مادة للمتاجرة الإعلامية ، منك أو من غيرك ، هل أصبحت دماء الشهداء رخيصة إلى هذا الحد أن تكون في سوق المزايدات الرخيصة بين الإعلاميين للمنافسة بينهم على الانفرادات الصحفية أو الإعلامية ، هل أصبحت حرمة الموتى مستباحة إلى هذا الحد في البلد ، ألا يوجد رجل رشيد يراجع هذه المهزلة ، ألم يشعر أحد من قادة القوات المسلحة بوخز القلب لو كان هذا الصوت الملهوف والمفزوع وهو يستقبل موت الفجأة هو ابنه أو أخوه ، لكي يطالب بمحاكمة كل من تورط في تسريب هذا التسجيل للإعلام ، والتحقيق مع الإعلامي الذي قرر إذاعته على الرأي العام بوصفه انفرادا لقناته الفضائية وبرنامجه الدعائي الفج ، كيف يمكن السماح بهذا الجنون والفوضى والاستباحة لأرواح شهداء الوطن . لقد زعم صاحب الفضيحة أن نشر هذا التسجيل من أجل أن يجلب التعاطف مع الضباط والجنود من قبل المواطنين وهم يرونهم لحظة الموت ينطقون بالشهادتين ، هذا كلام فارغ ، وكل من سمع الشريط يدرك بسهولة أن هذا كلام فارغ ومحاولة لتبرير أو تمرير الجريمة التي ارتكبت في حق الشهداء ، المسألة تجارة بحتة ، والبحث عن انفراد حصري لبرنامجه ، تجارة بالدم والروح ، لأن الأصوات كانت تحمل معاني الخوف والفزع والرعب ، وهي معاني لا يجوز في أي قانون عسكري إبرازها لرجال القوات المسلحة ، وإنما نقدمهم للناس أنهم يستقبلون الموت بثبات وشجاعة وقلوب مطمئنة ، وليس بفزع وخوف ورعب وتشنج الأصوات لحظة مواجهة الموت . إنني أطالب من هذا الموضع المشير عبد الفتاح السيسي والمجلس العسكري والمخابرات الحربية باسمي كمواطن مصري وباسم دم شقيقي الشهيد حسين سلطان بفتح تحقيق عاجل في هذا الموضوع ، وكيفية تسرب مثل هذا التسجيل الذي لا يكون إلا بحوزة القوات المسلحة ، وأن يشمل التحقيق المصدر الذي سرب هذا التسجيل للإعلام أيا كان ، وكذلك يشمل القناة الفضائية والمذيع الذي عرضه على الرأي العام دون استئذان القوات المسلحة ، ودون أي مراعاة لحرمة الموت وحرمة كرامة الشهداء .