نحو كيان إسلامي واحد.. فلا توحيد بغير وحدة.. ولا وحدة بغير توحيد.. الشرع والشرعية مع المصلحة العليا للأمة..فهل استطاع الإخوان المسلمون توحيد كيان الأمة؟ هل استطاع الإخوان المسلمون لم الشمل ونبذ الفرقة؟ هل تعلم الإخوان المسلمون مهارات العبور فوق المكائد وتجنب الأخطاء؟ هل استطاع الإخوان المسلمون تأليف قلوب الجماهير وتوحيد طوائف الشعب؟ هل استطاع الإخوان المسلمون استيعاب جميع القوي السياسية في نسيج وطني متآلف؟ هل استطاع الإخوان المسلمون قيادة الشعب نحو كلمة سواء؟ هل تعداد منسوبي تنظيمات الإخوان المسلمون، وإمكاناتهم المتاحة، وخبراتهم العملية والسياسية يمكن أن تستوعب آليات العصر، وخبرات الحكم، ومواجهة القوى المضادة؟ وهل يجوز لهذا التنظيم - بما له وما عليه - أن يكون ممثلًا لكيانٍ إسلامي شاملٍ منوطٍ بترسيخ أسس الإسلام السياسي، وبناء قواعد الخلافة الإسلامية، وإحياء الأمة الإسلامية الرشيدة؟
الواقع المشهود.. وما أفضت إليه الأحداث.. خير دليل للإجابة على تلك التساؤلات ..المصلحة العليا للوطن مهددة.. انقسمت الأمة إلى كيانات مشتتة..تبدد الشمل وشاعت الفرقة. والأحداث الكبرى في ملحمة الوجود الإسلامي واضحة العبرة دامغة الدليل، كفتح مكة بعد الهجرة من مكة إلى المدينة والعودة إلى مكة، تلك الهجرة التي غيرت معالم الزمان والمكان بتآلف قلوب المؤمنين ووحدتهم وتماسكهم على قلب رجل واحد دون إقصاء أو تمييز، وتحول الكثيرين من أهل مكة طواعيًة من عناد الكفر إلى سماحة الإسلام، والدفع بأسباب السلام، ودافعية المودة والتراحم، وتحطيم الأصنام الفكرية والمادية، والتحرر من الأغلال، وإعلاء كلمة التوحيد، وتحقيق علوم الشريعة، وترسيخ مبادئ الشورى وحرية الاختيار، وازدهار آفاق الدعوة إلى عالمية الإسلام. وكذلك توحد الأمة العربية والإسلامية لدحر جيوش التتار، وتلاحم القوى العربية ومواجهة الحملات الصليبية وتقويض أهدافها والقضاء على أطماعها.
توحد الكيان الإسلامي الوطني دون إقصاء أو تمييز هو المقدمة الأولى لبناء مصر المؤمنة الديمقراطية العصرية.. ومن أهم عوامل إنجاح ذلك الكيان تقارب وجهات النظر، والعمل على دمج جميع برامج الأحزاب السياسية الإسلامية، وصياغتها في برنامج وطني متكامل لتحقيق النهضة والتقدم، وخدمة المصالح العليا للوطن.
ومصر في هذه المرحلة العصيبة من تاريخها الحديث لا تبحث عن تنافس الأحزاب وتعدد برامجها، وإنما تحتاج إلى كيانات موحدة راسخة تبلور إرادة الشعب وطموحاته، وتعمل على دمج جميع طوائف الشعب في كيان واحد متآلف دون ترويع أو تضليل. مع ضرورة التمسك بالشرعية الدستورية من خلال صناديق الاقتراع وعملية الانتخابات التي لا بديل عنها. أما الإصرار على الخروج إلى الشوارع، واستمرار تجمعات طوائف الشعب بالميادين العامة، وممارسات أعمال العنف والتخريب والقتل التي تهدر الشرعية الدستورية، فهذا تناقض سيؤدي حتمًا إلى تردي الحالة الاقتصادية والأمنية.. والبقاء للأقوى.. والضحية في النهاية هو الشعب..والله غالب على أمره..