بالرغمِ من إحياءِ الحياةِ السياسيةِ في مِصر بعد ثورة 25يناير، والتحول الجِذري الذي نَتَج عن مشاركةِ طوائفِ الشعبِ كافة وأفْرادِهِ في صُنع كِيانٍ سياسيٍ جَديد لمصر، إلا أن المَشْهَد السياسي مازالَ مُشتتًا، والتوافُق الشعبي ما زالَ مبددًا، والصِراع على السلطةِ يزدادُ تعقيدًا. ومن أهم أسباب تفاقم الصراع الدائر في مصر عدم توحد الكيانات السياسية، كالكيان الإسلامي، والكيان الليبرالي، والكيان الديمقراطي، والكيان الاشتراكي... وغيرها من الكيانات الوطنية بأشكالها وأطيافها كافة. ومن أهم عوامل إنجاح ثورة 25 يناير وغيرها من الثورات الشعبية توحد الكيانات السياسية وتقارب وجهات النظر، والعمل على دمج برامج الأحزاب السياسية الإصلاحية، وصياغتها في برامج متكاملة موحدة لكل كيان، لتحقيق النهضة والتقدم، وخدمة المصالح العليا للوطن. فالكيان الإسلامي منقسم إلى عدة أحزاب: كحزب الحرية والعدالة (الإخوان المسلمون)، وحزب الوسط (منشق عن الإخوان المسلمين)، وحزب النور (السلفي)، وحزب حازمون (السلفي)، وحزب العمل الإسلامي،... وغيرها من الأحزاب ذات التوجه السياسي الإسلامي.
أما الكيان الليبرالي فينقسم إلى أحزابٍ متعددة: كحزب الوفد الجديد، وحزب التجمع التقدمي، وحزب الغد الليبرالي... وغيرها من الأحزاب الليبرالية. والأحزاب الاشتراكية: كحزب مصر العربي الاشتراكي، وحزب الأحرار الاشتراكيين. والأحزاب الديمقراطية: كالحزب العربي الديمقراطي الناصري، وحزب الاتحاد الديمقراطي، وحزب الجيل الديمقراطي، وحزب السلام الديمقراطي، وحزب الجبهة الديمقراطية... وغيرها من الأحزاب المصرية المتعددة التي تقترب من ثلاثين حزبًا قانونيًا تمثل مجمل الكيانات السياسية المصرية.
ومن المعلوم أن حزب الحرية والعدالة المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين، وحزب النور السلفي، وحزب الوفد الجديد من أكبر الأحزاب نسبيًا، وأكثرها تأثيرًا في الساحة السياسية. ومصر في هذه المرحلة العصيبة من تاريخها الحديث لا تبحث عن تنافس الأحزاب وتعدد برامجها، وإنما تحتاج إلى كيانات موحدة راسخة تبلور إرادة الشعب وطموحاته، وتعمل على دمج جميع طوائف الشعب في كيان واحد متآلف دون ترويع أو تضليل. مع ضرورة التمسك بالشرعية الدستورية من خلال صناديق الاقتراع وعملية الانتخابات التي لا بديل عنها. أما شرعية الشوارع والميادين العامة والثورات المزعومة التي تهدر الشرعية الدستورية فهذا تناقض سيؤدي حتمًا إلى تمرد بعض طوائف الشعب ضد إرادة غالبية الشعب.. والبقاء للأقوى.. والضحية في النهاية هو الشعب. والله غالب على أمره..