أعلن الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور عن نصوص قانون الانتخابات الرئاسية الجديد وقيل أنه معروض للحوار الوطني ، ومن هذا المدخل أحب أن أضع علامات استفهام على بعض مواد هذا القانون وأيضا الأجواء والمناخ السياسي الذي تجرى فيه ، وأخطر هذه المواد في تقديري هي المادة السابعة منه ، والتي تنص على ما يلي (يجوز لذي الشأن الطعن في قرارات اللجنة المتعلقة بالانتخابات الرئاسية ونتائجها ، خلال مدة لا تجاوز أسبوعا من تاريخ إخطاره بها وتختص المحكمة الإدارية العليا بالفصل في هذه الطعون بحكم نهائي خلال عشرة أيام من تاريخ قيد الطعن) ، هذه مادة بالغة الغرابة ، وأخشى أن تكون مدخلا للتشكيك والتلاعب في موقع رئيس الجمهورية ، وكان التعديل الدستوري الأول بعد ثورة يناير مباشرة والذي أشرف عليه المستشار طارق البشري ونخبة من فقهاء القانون قد وضع المادة "28" منه والتي حصنت قرارات اللجنة العليا للانتخابات من أي طعن عليها ، لحماية مقام الرئيس من التلاعب والاهتزاز ، لأنها لجنة قضائية عليا مكونة من أرفع قضاة مصر وشيوخها من كل أفرع القضاء ، فكيف تطعن عليهم ، وإذا جاز الطعن عليهم جاز الطعن على من يليهم وهكذا ، هذا عبث ، وفي مشروع القانون الجديد للانتخابات الذي أعلنه منصور تتشكل اللجنة العليا للانتخابات من رئيس المحكمة الدستورية العليا ورئيس محكمة الاستئناف وأقدم نواب رئيس محكمة النقض وأقدم نواب رئيس المحكمة الإدارية العليا وأقدم نواب رئيس المحكمة الدستورية العليا ، وبعد كل هذه "الهيصة" القضائية تقول أنه يجوز الطعن على أحكامها وإجراءاتها ، أي أنك تساوي بين هذه المجمع القضائي الضخم وبين محاكم أول درجة في الإدارية أو غيرها ، ما هذا المزاح الثقيل ، القانون الجديد أوكل لهذه اللجنة المشكلة من أرفع شيوخ قضاة مصر من كل أفرعه بما فيه الإدارية العليا نفسها ، أن تستقبل الأوراق وتفحصها وتراجعها وتنظر في الطعون وتقضي فيها وتتابع النتائج وتفحصها أيضا وتقبل الطعون عليها وتراجعها وتقضي فيها بحكمها ، وفي النهاية خلال خمسة أيام من انتهاء التصويت تعلن النتائج التي أشبه بحكم بات ونهائي من أرفع تجمع قضائي في مصر عن اسم رئيس الجمهورية الجديد ، فيأتي التعديل القانوني الجديد لكي يقول أن منصب الرئيس يظل معلقا لمدة قد تصل إلى سبعة عشر يوما كاملة لحين انتظار قرار المحكمة الإدارية العليا ، التي ستحكم على أحكام اللجنة المشكلة من قياداته هي نفسها وقيادات جميع المحاكم المصرية ، وعندما توضع المسألة في سياق ما نراه الآن من تجاذبات عنيفة واتهامات معلنة وخفية ، بالحق أو الباطل ، عن تداخل السياسي بالقضائي في مصر ، والمواقف المسبقة لبعض القضاة تجاه تيارات سياسية معينة ومن ينتمون إليها ، وقد يكون من بينهم المرشح الفائز ، فإننا سنفتح الباب واسعا أمام التشكيك والتلاعب في أرفع منصب في البلاد . على جانب آخر ، أعتقد أن الأجواء السياسية والأمنية والإدارية المصاحبة للعملية الانتخابية بكاملها ستكون أهم من النصوص ذاتها ، فما قيمة النصوص إذا كان المرشح عاجزا عن أن يحقق حملته الانتخابية بحرية وأمان وعدالة ، ما قيمة نصوص القانون إذا كانت الحملات الأمنية ستلاحق كوادر المرشحين "وتلبسهم" التهم لترويعهم عن إكمال دورهم ، وقد رأينا ذلك رأي العين في الاستفتاء على الدستور ، فلم يجرؤ مواطن على رفع لافتة واحدة تقول لا للدستور ، رغم كل النصوص الجميلة ، وإذا ترشح المشير السيسي ، هل يمكن للجنة أن تفرض سيطرتها على مؤسسات الدولة الإعلامية والصحفية لكي تكون على الحياد بين المرشحين ، هل ستختفي أغنية "تسلم الأيادي" مثلا من التليفزيون المصري ، وهل تضمن اللجنة تجرد وحيادية مؤسسات الدولة وجهازها الإداري فلا نرى حافلات القطاع العام تحشد العاملين لمؤتمرات المشير أو على أبواب اللجان ، وأنا لا أتصور كيف سيخوض السيسي التحدي الانتخابي ، هل يمكنه أن يحضر مؤتمرات شعبية جماهيرية ، وهل سيوفر حماية لنفسه من ماله الخاص أم أن أجهزة الدولة ومؤسساتها ستوفرها له ، وهل ستوفرها بالتساوي مع المرشحين الآخرين . الحقيقة ، تفاصيل كثيرة ، ولا أعتقد أن الأجواء التي نراها في مصر تسمح بأن تكون هناك انتخابات حقيقية جادة وحيادية ، أو لها أي صلة نسب بالديمقراطية .