ثمة فارق ضخم وكبير بين القوة والقدرة !!..هكذا علمتنا الحياة , وقرأناه في التاريخ البعيد والقريب , عرفنا صراعات وحروب وثورات وأزمات .. وعن صعود حضارات ثم هبوطها , عن تقدم وازدهار, ثم تخلف وانكسار .. كانت روما سيدة الدنيا يوما ..كان الفرس كذلك .. كانت بريطانيا لا تغيب عنها الشمس ثم تقزمت في عاصمة الضباب التي لا تكاد ترى الشمس ..شكٌل الاتحاد السوفيتي مع أوروبا الشرقية تحالفا كبيرا في مواجهة أمريكا وأوروبا الغربية , ومع سقوط جدار برلين تهاوى كل شيئ ..ظن الروس أن حرب افغانستان نزهة, ومن قبلهم ظن الأمريكان في فيتنام نفس الظن ..وما كانت أي واحدة منهما نزهة بل كانت أكبر أزمة لم تزل آثارها عالقة في الاذهان بل ومؤلمة حتى الآن لو ابتلع البحر غزة !! لقد قام الغرب بدعم انشاء كيان للصهاينة في فلسطين عبر وعد بلفور 1917, وتأسس الكيان في 1948 م وفي ظل ترسانة عسكرية ضخمة وقوة نووية ودعم أمريكي كامل وأوروبي,وبعض الدعم العربي لم يستطع الصهاينة بقوتهم (في كل المجالات) الخلاص من الصداع الفلسطيني لهم !!, ولقد قال "رابين" يوما " أتمنى لو أستيقظ من نومي فأجد غزة وقد ابتلعها البحر", قالها وهو صاحب القوة النووية!.. وهذا يعني أن القوي يستطيع أن يُلحق الخسائر بخصمه أو عدوه, وقد لا يستطيع الطرف الاضعف الخلاص من الأقوى, لكنه يستطيع مقاومته, وحتى حين لا يستطيع مقاومته فإنه يستطيع أن يسبب له صداعا يُربكه.. قوة الدولة في بريطانيا لم تحسم القضية ! ظل الصراع محتدما وطويلا, وظلت تكلفته باهظة , وظل الايرلنديون يقاومون الحكومة البريطانية زمنا طويلا, وحدث انشقاق كبير في صفوف الجيش الجمهوري خلال عامي 1969 – 1970 – ومع ذلك ظلت المقاومة وظل الصراع مستعرا .. وفي النهاية كانت السياسة وكان الحل .. لبنان تُحذرنا !! استمر اللبنانيون في حرب اهلية 17 سنة , لم ينتصر احد, وفي النهاية جلس الفرقاء في الطائف وانتهوا الى حل, لم يكن هو الأمثل, ولم يحقق الخلاص من الطائفية, لكن الاتفاق نقل الخصومة من ميدان القتال الى ساحات السياسة.. السود في جنوب افريقيا تعتبر جنوب افريقيا واحدة من أهم دول افريقيا, بها تنوع سكاني كبير, فأصول السكان من أوروبا والهند , والغالبية من الأصول الافريقية (اصحاب البشرة السوداء) , شغل النزاع العرقي والعنصري بين الأقلية البيضاء والأكثرية السوداء حيزاً كبيراً من تاريخ البلاد وسياساته، وقد بدأ الحزب الوطني ( تأمل الأسم !!) بإدخال سياسة الفصل العنصري بعد فوزه بالانتخابات العامة لعام 1948 , وظل الصراع طويلا ..حتى تمكن الشعب (باغلبيته السوداء) من انهاء هذه السياسة , وأصبحت الدولة من من أكثر الديمقراطيات استقراراً في القارة الافريقية اعتبارا من 1994م.. والسود في امريكا في حشود ضخمة للاحتفال بتنصيب أوباما رئيسا للبلاد, كانت الكاميرات تتنقل من عرض عيون باكية , الى ابتسامات دامعة للسود وهم يرون حلما يتحقق, وقد كانوا من قبل محظورا عليهم السكن والتعليم والأكل في مساكن ومدارس ومطاعم يرتادها البيض !! ..وهاهو الزمان يدور دورته ويتغير الحال , وهاهو ( أسود) يعتلي أكبر منصب في البلاد !! وفي تاريخنا أكبر الدروس من كان يظن أن محمدا (صلى الله عليه وسلم ) الذي خرج طريدا من مكة في ركب يتكون من اثنين , واضطر الى "الاختباء" في غار, يعود ليفرض على أهل مكة جميعا "الاختباء" في بيوتهم أو في الكعبة أو في دار ابي سفيان, ودارت الايام وأصبح محمد (صلى الله عليه وسلم ) صاحب الأمر والنهي في مصائرهم جميعا, وقد كان يستطيع بإشارة واحدة من يده أن يجعل من دماء أهل مكة انهارا ..لكنه اصدر عفوا لم تشهد البشرية له مثيلا .. لقد استطاع أهل مكة (بقوتهم) يوما تهجيره, لكنهم لم يقدروا على الخلاص مما اعتبروه أزمة لهم .. وعلى نفس الدرب من قبل أستطاعت القوة أن تفعل .. فألقت بإبراهيم في النار ويوسف في الجب.. ومن بعد ذلك استطاعت القوة أن تُلقي بأحمد بن حنبل وابي حنيفة وابن تيمية وغيرهم في السجن ..لكن تلك القوة لم تستطع الخلاص من أزمتها مع أولئك جميعا .. الشاهد : هو ما بدأنا به , قد تكون قويا لأن تفعل, لكن القوة لا تعني القدرة على الخلاص من الأزمة .. فثمة فارق كبير ين القوة والقدرة .. ولقد علمنا التاريخ أن كثيرا من الناس لجأوا الى القوة لحسم أمورهم, لكنهم لم يستطيعوا الخلاص من الأزمات, لكن في كل مرة يتكرر الحدث دون عبرة بتاريخ أو ماضي ..
وقد تجرع السُم !! , إذا كان "السادات" قد رأي يوما (دون تقييم ما فعل) أن تجاوز الأزمة مع الصهاينة يتطلب أن يعقد اتفاقا للصلح, فقد قام به, ولا يعكس ذلك بالضروة حبه لهم أو قناعته بما فعلوا تاريخيا .. لم يكن "الخوميني" يريد انهاء الحرب مع العراق والتي استمرت 8 سنوات (1980 : 1988) والتي كانت حربا كارثية بكل المقاييس, حرض عليها المحرضون لانهاك الطرفين, لكنه وافق على اتفاق لإنهاء الحرب , لمصلحة بلاده ووصفه بقوله : " إنني أتجرع السُم" .. إن مكونات الدول في الإقليم أو العالم أكبر من أن يستطيع أحد السيطرة على "جميع مكوناتها" ويبقى دائما جزء من المكونات (كبيرا أو صغيرا ) خارج السيطرة, ولهذا تلجأ الدول الى الديمقراطية لتمثيل مكونات المجتمع , وتضمن لهم جميعا مساحة للتواجد في صنع قرارات بلادهم .. فهل نحن قادرون (الآن) على تجاوز (منطق القوة) لننتقل الى حوار حكماء لادراك ما تتطلبه اللحظة لتجاوز الأزمة .. وطالما أن القوة لا تعني القدرة على الخلاص من الأزمة, فهل يمكن أن نبادر باختصار الزمن والألم ؟؟
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.