كانت مصر حتى حرب 1973 ، هى اللاعب الرئيسى فى الوطن العربى . أو بلغة المهندسين ، كانت هى المقاول العمومى فى المنطقة ، فهى تتحرك و تعمل لحسابها ووفقا لأجندتها المستقلة . أما الآن ومنذ أكثر من ثلاثة عقود ، فلقد تحولت الى دور المقاول الصغير ، الذى يعمل لصالح ومن باطن الولاياتالمتحدةالأمريكية التى أصبحت هى المقاول العمومى الجديد والوحيد فى المنطقة . فكل ادوار مصر وسياستها الخارجية تتحدد طبقا للأجندة الأمريكية : افعلى هذا ، لا تفعلى ذاك تدخلى هنا ، ليس لك شأن هناك وهكذا . * * * ورغم ذلك لم تحظ مصر بالدور الرئيسى فى مقاولات الباطن الأمريكية فى المنطقة. لأن اسرائيل هى التى تحتل هذه المكانة . فهى التى تقوم بأعمال الهدم والبناء الأساسية . و الأعمال التى تعجز عنها ، يقوم الأمريكان بتنفيذها بأنفسهم ، كما حدث فى العراق . اما مصر وأخواتها ، فتسند لهم بعض مهام "التفنيش" مثل الترميمات والصنفرة والدهانات . فهى مجرد مقاول باطن صغير لأعمال التشطيب التى يرغب فيها الأمريكان لتمرير وتجميل وشرعنة مشروعاتهم العدوانية فى المنطقة . * * * أقول هذا بمناسبة اجتماع القمة الأخير بين قادة مصر وليبيا وموريتانيا مع الرئيس السودانى فى أواخر ديسمبر 2010، لإقناعه بتمرير انفصال الجنوب الذى يسمونه استفتاء . فعلى الأغلب ، ان هذه الزيارة وهذا الدور الصغير المحدود جاءا بتكليف امريكى صريح . اما الطبخة الكبرى فلقد تولاها الأمريكان والأوروبيون والصهاينة بأنفسهم . فمنذ منتصف التسعينات وهم يعدون لهذا الانفصال من خلال سلسة من الخطوات المتتالية: • بدأت بفرض سلسلة عقوبات على السودان • وبضرب مصنع الشفاء للأدوية . • وباشعال الحرب الاهلية مع الجنوب • ثم بدعمه بالسلاح الامريكى والصهيونى • وكذلك دعم دول الجوار السودانى : اثيوبيا واوغندا واريتريا وكينيا للتحرش بالسودان عسكريا وسياسيا . • وتكليف منظمة الإيجاد بالجانب السياسى والاخراج القانونى . • واستبعاد قاطع وصريح لأى دور مصرى او ليبيى او عربى فى هذا الملف . • والضغط بشدة لتوقيع برتوكول ماشكوس 2002 و نيفاشا 2005 . • وتوظيف البعثات والقوات الدولية فى السودان و التى شاركت فيها مصر ، للدفع فى هذا الاتجاه . • وتوظيف المحكمة الجنائية الدولية لابتزاز القادة السودانيين والضغط عليهم . • ووضع ملف السودان تحت الباب السابع من ميثاق الاممالمتحدة الذى يبيح استخدام القوة . • الى ان استوت المسائل وجهزت الساحة . • ليتم الانفصال الاستفتائى تحت سيف الإكراه الامريكى فى 9 يناير 2011. • وهنا تُكَلف مصر بمهمة صغيرة ولكنها ضرورية بإيصال رسالة تهديد للسودانيين أن " يمرروا الانفصال والا ستكون العواقب وخيمة " • فتفعل . * * * و لم تكن هذه هى المرة الاولى فسياسة مصر الإقليمية فى العقود الثلاث الماضية ليست سوى أعمال تنفيذية لتكليفات من هذا النوع . وللتذكرة : • من 1982 حتى 1993 تشارك مصر فى الضغط على منظمة التحرير الفلسطينية للاعتراف باسرائيل والتنازل عن فلسطين التاريخية ، وتنجح فى مهمتها . • وفى الفترة من 1982 الى 2010 تقود مصر كل الأنظمة العربية فى اتجاه انهاء الصراع العربى الصهيونى ، والقضاء على أى إمكانية للمواجهة المسلحة ، وتسييد منهج التفاوض هو الخيار الوحيد ، مع الاكتفاء بحدود 1967. • وفى 1991 تشارك مصر وأخواتها بقوات رمزية مع قوات التحالف الغربى بقيادة الأمريكان لإضفاء شرعية على الاحتلال الأمريكى للخليج والتدمير الأول للعراق فيما عرف باسم حرب تحرير الكويت . • وفى الفترة من 2003 2010 تسمح مصر بعبور البوارج والطائرات الحربية الأمريكية فى قناة السويس والمجال الجوى المصري وتشارك فى تدريب الشرطة العراقية ، وتعترف بنظام الاحتلال هناك بإرسالها ببعثة دبلوماسية مصرية . • وفى الفترة من 2005 2010 تشارك مصر فى الحصار المفروض على غزة ونزع سلاح المقاومة ، وفقا لمتطلبات الأمن الاسرائيلى فتوقع اتفاقية فيلادلفيا عام 2005 ، وتغلق معبر رفح ، وتبنى الجدار الفولاذى لتدمير الأنفاق 2009. • وفى الفترة من 1974 حتى 2010 ، تعمل الادارة المصرية على تصفية وملاحقة كل القوى الوطنية المصرية المعادية للكيان الصهيونى وللهيمنة الأمريكية . • والقائمة طويلة . * * * أما المقابل الذى يمنحه الأمريكان لنظامهم و مقاولهم الصغير فى مصر ، فهو حمايته واطاله عمره وتغطيته دوليا فى كل ما يفعله فى أهل مصر وشعبها . [email protected]