كتبت أيام اعتصام رابعة هذا المقال ولم يلتف إليه الإسلاميون جيدا، واعتبروه ثرثرة.. غير أن الأيام مضت صوب تأكيد "التوقعات".. ويجري اليوم على قدم وساق تصفية ثورة يناير بالتدرج وبشكل ممنهج وفق خطط تبدو محكمة يقول المقال: حركة 30 يونيو -كما هو ثابت- كانت صناعة قوى "مدنية" متعددة، ولكنها سليلة الإعلام والمال "الفلولي" أيضًا.
هذه الميديا "الفلولية" عادت أكثر شراسة من ذي قبل، وتتبنى رؤى استئصالية؛ للثأر من كل القوى التي شاركت في خروجها من السلطة بعد ثورة يناير 2011م.
ومن المعروف أن القوى المدنية أشعلت الثورة، إلا أنها ما كان لها أن تنجح لولا حماية الإسلاميين لها. ولعل فشل موقعة الجمل في 2 فبراير 2011م يرجع الفضل فيه إلى القوى الوطنية الإسلامية التي نزلت إلى الميادين يوم 28 يناير 2011م.
ما لم ينتبه إليه جيل يناير الحقيقي هو أن التيار الفلولي العائد على أكتاف 30 يونيو يثأر الآن من "الإسلاميين"؛ تمهيدًا لنقل معركته -فيما بعد- لتأديب القوى المدنية المشاركة في ثورة يناير. ولعل البعض لم يدرك مغزى ودلالة الحملة العاتية الحالية على البرادعي وهو موجود داخل السلطة وبعد استقالته منها، وعلى عمرو حمزاوي الموجود خارجها، رغم أنها تحمل إشارة إلى الواجهة القادمة لقوى الشر "الفلولي" بعد أن تفرغ من تصفية الإسلاميين هذه الأيام.
المشكلة التي تثير القلق هي موقف الإسلاميين من القوى الثورية المدنية بعد عزل د.مرسي في 3 يوليو الماضي. صحيح أن قطاعًا كبيرًا من تلك القوى شارك في الإطاحة بنظام الحكم الإخواني، إلا أن الوضع الآن الذي يتعرض له الإسلاميون يقتضي القفز على مرارات التجربة؛ لأن القطيعة مع القوى المدنية -بسبب موقفها المؤيد لقرار عزل الرئيس السابق- ستكون فاتورته باهظة على قوى الثورة بجناحيها الديني والمدني؛ فاليوم الإسلاميون في بؤرة التصفية، وغدًا سيأتي الدور على "الشركاء" من المدنيين.
د.محمد البرادعي وحده الذي يشعر بهذا الخطر، ويعلم جيدًا أنه هو والتيار الذي يمثله مدرجون على قائمة القوى المطلوب تصفيتها، عقابًا لها على إزاحة مبارك والقوى المالية الطفيلية التي أثرت ثراءً فاحشًا في عهده من السلطة.
البرادعي يقف الآن وحده في مواجهة الاستئصاليين، وهو الوحيد الذي وفَّر مظلة الحماية للحشود في رابعة والنهضة من الاستباحة، وذلك قبل فضهما بالقوة تحت ساعات طويلة من القذف الإعلامي الفلولي المحرض على ذبح المعتصمين أو دفنهم تحت مياه الصرف الصحي بمدينة نصر.
لاحظ -هنا- أن ذات القوى التي تطالب بشطب التيار الإسلامي من الوجود تمامًا هي ذاتها التي تتبنى حملة تصفية البرادعي، وهي إحدى تجليات الخريطة الجديدة التي رُسمت على الأرض بعد 30 يونيو.
الفلول يعرفون ما يتعين عليهم فعله هذه الأيام؛ حددوا أهدافهم بدقة وبعناية، فيما ينشغل الإسلاميون والقوى المدنية بتصفية الحسابات فيما بينهم، غير مدركين بأنهم في بؤرة الاستهداف بغض النظر عن ميولهم السياسية أو الأيديولوجية؛ فالفلول لن يذبحوا خصومهم على "الهوية"، وإنما على "المشاركة" في ثورة يناير.
نأمل من التيارين الإسلامي والمدني إجراء مصالحة سريعة وعاجلة فيما بينهم؛ لقطع الطريق على عودة محتملة للفلول، وهي عودة لا غاية لها إلا الثأر من ثورة يناير بشخوصها ونجومها وأبطالها الحقيقيين.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.