بدأ عدد من القوى المدنية، التحرش بالإسلاميين في المجمل، وشرع بعضها في إملاء شروطه من موقع "المنتصر".. بلغت حد المطالبة باستبعاد حزب "النور" من العملية السياسية، بوصفه بحسب رأيهم "عبئا" على "خارطة المستقبل"، بعد أن اعترض على تعيين د. محمد البرادعي، رئيسا للوزراء، وكذلك اعتراضه على بعض مواد الإعلان الدستوري الذي اعتمده رئيس الجمهورية المؤقت. والحال أن حزب "النور" كان أحد الجماعات السياسية، التي شاركت في توفير الغطاء السياسي، لنتائج ثورة 30 يونيو، وكان كذلك جزءا من التشكيلة الوطنية، التي وضعت "خارطة المستقبل"، وظهر على خلفية المشهد، مع القضاء والأزهر والكنيسة والقوى المدنية والثورية، التي استند إليها الجيش، ك"ضامنين" للخارطة وكأداة ردع للمؤسسة العسكرية، ولعل قرار شيخ الأزهر د. أحمد الطيب، "الاعتكاف" في بيته، بعد مجزرة "الحرس الجمهوري"، قد فسرت معنى مفردات "اللوحة" التي ظهر الفريق عبد الفتاح السيسي، في صدارتها، عشية عزل مرسي، إذ هدد قرار "الطيب"، تماسك النسق الذي اعتمد عليه الجيش، ك"رحم" خرجت منه حركة 3/7/2013، بوصفها ثورة مدنية وليست انقلابا عسكريا. حق "الفيتو" إذن يظل حقا أصيلا، لكل القوى التي لونت المشهد "الكاكي" باللون المدني، بوصفها جزءا من اللعبة "الخطرة" التي عزلت مرسي وأقصت جماعة الإخوان المسلمين من الحكم.. فعلام التحرش بالإسلاميين "الثوريين" والضغط في اتجاه استفزازهم، لحملهم على الخروج "كرها" أو "طوعا" من العملية السياسية؟! استجابة السلطة الجديدة، لمطالب، حزب "النور" واحترام اعتراضه على البرادعي، لم يكن نزولا عند هذا الحق "الفيتو" وإنما وعيا رسميا متجاوزا الوعي الطفولي والعصبي لعدد من القوى المدنية، التي فهمت سقوط الإخوان، بوصفه مقياسا لوزن الإسلاميين في الشارع، ويترتب عليه، خروج بقية الإسلاميين من المشهد بدون تكلفة سياسية كبيرة.. وهي "حماقة" سياسية، نهايتها معروفة، وهي عودة التوتر إلى الشارع، وإرباك إدارة البلاد مجددا، والانزلاق تدريجيا إلى أتون الحرب الأهلية، التي جاءت ثورة 30 يونيو، للحيلولة دون حدوثها. الإخوان تقريبا وحدهم في الميادين، ولم تشاركهم بقية القوى الإسلامية، الاعتصامات المطالبة بعودة الرئيس السابق د. محمد مرسي، إلا قليل ممن تفلتوا من السلطات الروحية، داخل تلك الحركات التي تعتمد فقط على "العلاقة الأخلاقية" بين أعلى سلطة روحية وقواعدها الموجودة في الصفوف الأقل منزلة، في الترتيب الطبقي والتنظيمي بداخلها. ظهر.. مع دخول الجيش طرفا أصيلا، في تحديد مستقبل مصر السياسي، تيار مدني "استئصالي".. يشبه إلى حد كبير القوى العلمانية الاستئصالية، التي ظهرت متزامنة أيضا، مع انقلاب الجيش الجزائري، على نتائج الانتخابات التشريعية التي جاءت بالإسلاميين إلى الحكم عام 1992 .. غير أنها في مصر لا تتمتع بأي من الدعم الرسمي،وتعتبر على هامش متن القوى المؤثرة في صناعة السياسات العامة، غير أن حضورها الطاغي إعلاميا، وهي تطالب ب"ذبح" الإسلاميين على تنوعهم واختلافهم، وإقصائهم عن الشراكة الوطنية، قد يوفر رصيدا للإخوان الموجودين الآن في الميادين.. وينتظرون المدد الشعبي الإسلامي، الذي قد تعجز الآلة الأمنية والعسكرية، من قمعه، وتحديد إقامته في "رابعة العدوبة" فقط. إنها لعبة خطرة، قد لا تجعل ورثة مرسي في قصور السلطة، يهنئون ليلة واحدة بالراحة في الحكم.