طعن فقهاء دستوريون في شرعية مجلس الشعب الذي يهمين الحزب "الوطني" على معظم مقاعده، في ضوء الانتهاكات الواسعة التي شابت الانتخابات، داعين المعارضة إلى خوض نضال قانوني في ساحات القضاء للطعن على دستوريته والمطالبة بحل المجلس، مدعومين بأحكام "البطلان" الصادرة من المحكمة الإدارية العليا، على الرغم من قناعتهم بعدم الاعتداد بالأحكام القضائية التي قد تصدر ببطلان الانتخابات. واعتبر الدكتور يحيى الجمل الفقيه الدستوري، والوزير الأسبق، أن مجلس الشعب المنتخب حديثا لا يعبر عن الشعب المصري بأي حال من الأحوال، وأن إلغاءه أمر حادث بلا محالة، لكنه أكد أن ذلك يجب أن يتم بالطرق القانونية، وأن تناضل القوى السياسية وتخوض معارك قضائية في كل محاكم مصر، رافضا اللجوء للخارج أو المحافل الدولية للطعن على شرعية المجلس. وأضاف خلال ندوة عقدها حزب "الوفد" الاثنين حول الأساليب القانونية التي يمكن بها مواجهة مجلس الشعب الحالي، إن الانتخابات الأخيرة شابتها عيوب بالغة الخطورة كانت واضحة للجميع، لافتا على سبيل المثال إلى تجاهل أحكام المحكمة الإدارية حول تأجيل الانتخابات وتغيير الصفات لبعض المرشحين. وأبدى أسفه لعدم استجابة اللجنة العليا للانتخابات لأي من الأحكام القضائية الصادرة، وقال أيضا إن المحكمة الدستورية العليا لم يعد يعتد بأحكامها، وبناء على ذلك اختلت كل الأسس التي كانت من قبل غير قابلة للتشكيك. ووصف الجمل المجلس الحالي بأنه بلا لون ولا طعم، متهما النظام الحاكم بأنه يسعى لاستئصال أي قوى حقيقة سواء كانت "الوفد" أو "الإخوان المسلمين"، لافتا إلى أنه استحوذ علي حزب انتهى بالفعل من على الساحة السياسية وأصبح فرعًا للنظام عبر منحه أربعة مقاعد له زورا، في إشارة إلى حزب "التجمع". من جهته، وصف الدكتور إبراهيم درويش الفقيه الدستوري، تزوير الانتخابات بأنه "فيروس مستمر منذ أن تركزت السلطات الثلاثة في مركز قيادة الثورة 52 حتى الآن وإن اختلفت المسميات". وانتقد تعبير الرئيس حسني مبارك بسخرية من "البرلمان الموازي" الذي أطلقه برلمانيون سابقون احتجاجا على نتائج الانتخابات بقوله أمام مجلسي الشعب والشورى أمس الأول "خليهم يتسلوا"، فيما وصفه بأنه "تهكم لا مثيل له". بدوره، قال المستشار محمود الخضيرى نائب رئيس محكمة النقض السابق إن الحل الوحيد للقضاء على مجلس الشعب الحالي يتمثل في توحد قوى المعارضة وتكتلاتها، وخاصة جناحا المعارضة "الإخوان المسلمين" وحزب "الوفد" وأن ينسوا كل خلافاتهم ويرفعوا شعار "مصر مع الهلال والصليب والتغيير". وطالب الخضيري "الوفد" و"الإخوان" بالتخلي عن شعاراتهما الخاصة وأن يحققا النموذج الامثل للاتحاد، مشيرا إلى أنه لو تجمع مائة ألف شخص وتحركوا بالشارع لأمكن لهم تحقيق التغيير، في إشارة إلى مراهنته على حدوث التغيير من الشارع، حيث قال إنه لن يأتي إلا بذلك، موضحا أنه على الشعب ألا ينتظر رد أو استجابة من الحكومة لأنها لا تضعه في الحسبان. ورأى الدكتور محمد نور فرحات أستاذ فلسفة القانون والفقيه الدستوري، أنه يجب الذهاب لأبعد من ملاحقة مجلس الشعب الحالي "المزور" إلى ملاحقة اللجنة العليا للانتخابات نفسها من خلال الطعن فى النص التشريعي الخاص بتشكيلها، والطعن فى دستورية القوانين التى تصدر من المجلس وإقامة دعوى جنح مباشرة ضد المسئولين من أجل تنفيذ القرارات والأحكام الصادرة. من ناحيته، قال الدكتور فؤاد بدراوي نائب رئيس الحزب، إن النظام الحالي لا يستطيع أن يحكم بدون تزوير، مشيرا إلى أهمية تدارس المسألة من الناحية القانونية من أجل ملاحقة المجلس. في سياق متصل، طالب الدكتور فتحي فكري رئيس قسم القانون العام بكلية الحقوق جامعة القاهرة بضرورة تعديل المادة 93 من الدستور التي يتمنح مجلس الشعب سلطة الفصل في منازعات صحة عضوية أعضائه- المعروفة باسم "سيد قراره"- باعتبارها لا تتناسب مع الوضع والقوانين السياسية والبرلمانية المطبقة حاليا. وقال خلال ندوة نظمها منتدى "شركاء التنمية "مساء الاثنين إنه لم يحدث في التاريخ البرلماني المصري أن قبل مجلس الشعب الطعون المقدمة ضد عضو من أعضائه، أو قام بتطبيق عقوبة الفصل تجاه أي من الأعضاء المنتمين للحزب "الوطني". وأشار إلى أنه تم تطبيقه مرة واحدة على مرشح مستقل فى طعن أقامه مرشح للحزب "الوطني" بدائرة النزهة، واستدرك متسائلا: "لماذا يقولون باستقلال البرلمان في اتخاذ قراره بشأن عضوية أعضائه ولا يثار مثل ذلك في انتخابات المحليات ويقتصر استشكالات الحكومة ضد أحكام القضاء الإداري في طعون مجلس الشعب فقط أمام محاكم غير مختصة حتى تمنح سلطة الفصل فى منازعات العضوية للبرلمان". واكد الفقيه القانوني أن مصر لم تشهد على مر تاريخها أي انتخابات صحيحة من منظور القانون والدستور يعبر فيها الشعب عن إرادته الحقيقة، مستدلا على ذلك بأربعة أحكام صادرة عن المحكمة الإدارية فى أعوام 1987،1990،2000 تجاهلت الدولة تنفيذها، "لعدم وجود رأي عام شعبي قوي يوقف مسلسل إهدار الدولة لأحكام القضاء". ووصف الدستور المصرى بأنه "بات كالثوب المرقع الذي لايصلح معه أي إصلاح"، مؤكدا أن دستور 1930 الذي يوصف بأنه دستور رجعي كان ينص صراحة على أن تقضي محكمة الاستئناف فى صحة عضوية مجلس الشعب والأكثر مرارة على حد تعبيره أن بعض البلاد العربية نقلت النص الذى يمنح محكمة الاستئناف حق الفصل فى النزاعات الانتخابية بينما تراجعت عنه مصر. ورأى ان مصر تعاني من حالة مزمنة في إهدار أحكام القضاء وتجاهل رأي محكمة النقض في أي نزاعات تتعلق بانتخابات البرلمان، وقال إن هناك مخارج أمام الدولة لمنع مشهد تجاهل الأحكام والآراء القانونية في طعون الانتخابات وبخاصة رأي محكمة النقض حيث أنه من الممكن أن يعلن المجلس عن أسبابه التي يخالف من أجلها رأي وتحقيقات محكمة النقض في منازعات العضوية البرلمانية أو يعيد المنازعة للمحكمة للفصل فيها مجددا. واقترح أن تتوقف محكمة النقض عن إبداء رأيها فى تلك الطعون حتى لا يصبح رأيها كالعدم كما هوالآن وحتى لايكلف ذلك الدولة تعويض المرشحين الطاعنين على صحة العضوية من أموال الشعب، بالإضافة إلى حرمان الشعب نفسه من حق اختيار مرشحيه. وردا على سؤال حول إمكانية صدور قرار بحل مجلس الشعب في القريب العاجل، استبعد الفقيه القانوني حل مجلس الشعب نظرا لأن التعديلات الدستورية وسعت صلاحيات رئيس الجمهورية بدلا من تقليصها، كما وصف اللجنة العليا للانتخابات بأنها لجنة إدارية بحتة وليس لها أي صفة قضائية وما يقال عن استقلالها لايخرج عن كونه نصوصا غير مفعلة بعد أن منحت استقلالها على طريقة المشرع المصرى الذى يمنح الجهة استقلالها في نص وينزعه عنها فى نص آخر".