باتت كل القوى السياسية في مصر بما فيها القطبان الكبيران : الإخوان والوطني، تتحسس من كلمة "صفقة".. الكل بما فيهم أيضا الليبراليون يفزعون حال بلغهم أن أقواما يدعون أنهم أبرموا صفقة مع هذا الحزب أو ذاك! لا أدري ما إذا كانت كلمة "صفقة" قد باتت في العمل السياسي سيئة السمعة إلى حد أن يعتبرها السياسيون "عارا" يتبرأون منه؟!. الظاهرة فعلا مدهشة وتحيلنا إلى الاعتقاد أن الجميع يعيش حالة من "الدروشة" أو "الزهد" و"العزلة" عن المجتمع السياسي الذي يعيش فيه.. لا يرى إلا نفسه : له "الصدر" دون العالمين ودونه "القبر" على حد قول شاعرنا القديم! عندما كشف فضيلة المرشد السابق الأستاذ مهدي عاكف، عن أن الجماعة دخلت انتخابات عام 2005 بالاتفاق مع الأمن.. نال الرجل من "الانتقادات" و"سخرية" الليبراليين واليسار، ما لا يحتمله بشر!.. وكأن الرجل أبرم اتفاقا مع "تل أبيب" وليس مع السلطات الأمنية في بلاده، رغم أن غالبية أحزاب اليمين واليسار في مصر لم يرخص لها إلا بخاتم وزارة الداخلية في "العلن" بطبيعة الحال فيما لا يدخل أحدهم الحمام، إلا بعد استئذان سيادة "اللواء" في "السر"! التنسيق والاتفاقات والصفقات، هي من الأعراف والتقاليد المشروعة، في العمل السياسي، فالإخوان يخلون بالاتفاق بعض الدوائر للوطني أو للأحزاب الأخرى، والأخيرة تبرم الصفقات مع الإخوان ومع السلطات الأمنية لما تعتقد بأنه سيحقق مصالحها، وهذا ليس عيبا ولا جريمة ولا خروجا على القانون، و"الشطارة" تتجلى في القدرة على المناورة وتخطي حقول الألغام والكمائن السياسية والصحفية وحصد المكاسب رغم المضايقات والقيود المعروفة.. هذه هي "المهارة" التي من المفترض أن تتوفر في "الناشط" حال قبل الدخول اللعبة السياسية بكل قوانينها وتقاليدها التي لا تحترم إلا "الأذكياء" فقط. فالإخوان في فترات سابقة لم يدخلوا البرلمان إلا بعد "الاتفاق" و"التحالف" مع أحزاب سياسة أخرى "الوفد" و"العمل" على سبيل المثال.. ولم يحصدوا ال 88 مقعدا في انتخابات عام 2005 إلا بعد الاتفاق مع الأمن الذي كشف عنه فضيلة الأستاذ مهدي عاكف عشية استقالته التاريخية.. صحيح أن الأجهزة الأمنية اخلت بالاتفاق في المرحلتين الثانية والثالثة.. إلا أن الجماعة استفادت من الاتفاق في الجولة الأولى، وهي الجولة التي حصدوا فيها العدد الأكبر من حصيلة مقاعدهم بمجلس الشعب.. ومن حق الوطني أن يقلق من المنافس القوي له "الإخوان".. وأن يبرم الاتفاقات والصفقات مع أية قوى سياسية أخرى يرى أنها قد تسانده في مواجهته لأكبر جماعة سياسية تهدد قدرته على تشكيل الحكومة بعد أية انتخابات مقبلة. الشطارة.. ليست في كسب أصوات الناخبين.. لأن المعركة الحقيقية ليست مع الوطني أمام صناديق الاقتراع، وإنما في القدرة على تشكيل اجماع وطني ورأي عام ضاغط على القيادة السياسية يجبرها على أن النزول عند مطالبه، بتعديل مواد الدستور المفصلة على مقاس الوطني، سواء في الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية. [email protected]