لم يكن الإفراج الصحى عن الدكتور أيمن نور صفقة من أى نوع، فلا كان صفقة بين الحكومة والرجل، ولا كان صفقة بين الدولة المصرية والولايات المتحدةالأمريكية. ولكن حديث الصفقات فى مصر غلاب دائما لأنها جزء من العالم السرى لنظريات المؤامرة، ولأنها جزء من طريقة النظر تحت الأقدام انتظارا دائما لما سيأتى وليس التطلع إلى الأمام بحثا عن الخطوة التالية. فالمسألة الغلابة باتت حول أسباب الإفراج ومدى الصحة أو الغموض فيها، وليس عما إذا كان الإفراج يشكل إضافة إيجابية للمناخ العام فى مصر. وأظنه كذلك لأنه من الناحية الإنسانية لا يوجد ما يفرح فى بقاء إنسان خلف القضبان، ومن الناحية السياسية لا يوجد ما يسر حول بقاء قائد حزب سياسى حصل على المكانة الثانية فى الانتخابات الرئاسية فى السجن. ومهما اختلف الناس حول الدكتور أيمن نور، وهناك اختلافات كثيرة حوله فى المعارضة بأكثر منها فى الحكم، فإن سجنه- رغم تأييد محكمة النقض له - شكل ظلا مقبضا ضمن ظلال كثيرة على الحياة السياسية فى البلاد. لذلك كان الإفراج خطوة إيجابية تحسب للحكم، وتشكل خطوة نحو قدر أكبر من الانفتاح السياسى ينبغى أن تتلوها خطوات أخرى سوف يقع أجزاء من أعبائها على المعارضة كما هى موضوعة على الحكومة والحزب الوطنى الديمقراطى. ولمن يتصور أن الديمقراطية فى مصر سوف تأتى إلى مصر فى حزمة واحدة وذات صباح مشرق فإنه يقع فى وهم كبير، وربما آن الأوان لنا جميعا أن نعرف أن للديمقراطية متطلبات كثيرة لها علاقة بالثقافة السياسية، والدولة المركزية، ومن يريدون إقامة دولة دينية، ومن يخلطون بين الديمقراطية بالثورة والفوضى وغياب القانون. المشكلة أحيانا أننا نعرف جميعا ما هو مطلوب من الحكومة والحزب الوطنى الديمقراطى من أول إلغاء حالة الطوارئ، وحتى إجراء انتخابات نظيفة لا يختلف أحد فى الداخل أو الخارج على نزاهتها؛ ولكننا لا نعرف أبدا ما هو مطلوب من باقى القوى السياسية وجماعات المجتمع المدنى والإعلام الذى بات هو الآخر قوة سياسية يعتد بها. وكل هؤلاء تنازلوا طواعية عن المهام المنوطة بهم فى بناء الديمقراطية، اكتفاء بالحديث عما هو مطلوب من الحكم، بل إنهم لم يتساءلوا أبدا، أو على الأقل لم يتساءلوا بنفس الحماس، عن أسباب تفتت وعدم فاعلية القوى المدنية والليبرالية فى البلاد. ورغم حديث كل هؤلاء عن «الحوار» مع الحكومة، فإنهم لم يبذلوا جهدا أبدا فى الحوار مع أنفسهم بل إن معظم هذه الجماعات والأحزاب لا تدار بطريقة مؤسسية ديمقراطية بل إنها تدار إما بديكتاتورية فردية لزعيم أو قائد، أو وفق سلسلة من المقايضات والتنازلات والمفاوضات التى تجرى بين أفراد ومصالح أغلبها يدور حول الظهور العام والشهرة الشخصية. ومن المدهش أن يكون كل ما سبق هو الوصف المناسب لأحزاب الوفد والجبهة الديمقراطية وحزب الغد، حيث أنفقوا من الوقت والجهد والمال على إدارة الصراعات الشخصية بأكثر مما نشروا وعززوا الفكرة الليبرالية، وكان الحل دائما للخروج من مأزق الحقيقة هو إلقاء اللوم على الحزب الوطنى الديمقراطى الذى قد يستحق اللوم على أمور كثيرة ولكن ليس من بينها الصراعات المميتة داخل الأحزاب «الليبرالية». ولا أدرى شخصيا ما هى الحالة القانونية للدكتور أيمن نور وعما إذا كانت تتيح له ذلك الوضع السياسى والإعلامى الذى حصل عليه خلال الفترة الماضية، ولكن الدكتور - وقد كنت من المطالبين فى هذا المكان بالإفراج عنه - عليه واجب ربما أتاحت له فترة السجن التفكير فيه وهو كيفية توحيد القوى الليبرالية والمدنية فى البلاد وزيادة فاعليتها والأهم من ذلك كيف تتواصل مع الناس، على أن يتم ذلك بالفكر والعمل ودون ادعاء بقيادة تفرق، ولا بزعامة تمزق. ولو أن رجلنا اهتم بهذا الموضوع ربع اهتمامه بقضية «التوريث» أو المناورات السياسية والإعلامية الصغيرة التى تضعه فى اعتقاده على طريق «الزعامة» للمعارضة لكان خروجه من السجن ليس خروجا عاديا بإفراج صحى، وإنما سوف يكون خطوة سياسية تشكل إضافة للحياة السياسية للبلاد، لأنها سوف تخرج واحداً من أعمدة قواها السياسية من الظلمات إلى وضوح نهار الواقع بما فيه من إشكاليات عظمى لا تحلها التمنيات أو الرغبات الصغيرة!