تسود حالة من الغليان داخل الحزب "الوطني" الحاكم والغضب بين أعضائه الذين تم استبعادهم من ترشيحات الحزب لانتخابات مجلس الشعب المقبلة، وهددوا بتصعيد الأمر إلى الرئيس حسني مبارك بصفته رئيس الحزب، كما عبر المرشحون المختارون أيضًا عن سخطهم الشديد من اختيار أكثر من مرشح عن الحزب في الدائرة الواحدة، وتساءلوا: كيف يحدث هذا الأمر، وهل سنلتفت لمنافسينا من أحزاب المعارضة والمستقلين و"الإخوان المسلمبن" أم لزملائنا من مرشحي الحزب؟. ووصف الأعضاء المستبعدون ما حدث بأنه يمثل كارثة بكل المقاييس، بعد اختيار الحزب على قوائمه بعض المرشحين المعروف عنهم عداؤهم للشعب المصري، ومنهم نواب حاليون، وقالوا إن المضابط الخاصة بمجلس الشعب تشهد على محاكمتهم برلمانيا، وتوجهوا بأصابع الاتهام إلى المهندس أحمد عز أمين التنظيم الذي قالوا إن اختياراته من المرشحين سوف تؤدي إلى عزوف الناخبين عن التصويت لصالح الحزب. بدورهم، انتقد عدد من المرشحين الذين اختارهم الحزب على قوائمه اختيار أكثر من مرشح في الدائرة الواحدة، ورفضوا تذرع قيادات "الوطني" بأن ترشح أكثر من مرشح سواء على مقعد الفئات أو مقعد العمال يأتي تعبيرًا عن نتائج استطلاعات الرأي العام والمجمعات الانتخابية والانتخابات الداخلية، وذلك لإتاحة الفرصة للناخبين في التعبير عن إرادتهم في اختيار النائب الذي يمثلهم، وقالوا إن هذه التصريحات تخالف الواقع والحقيقة. وتساءلوا كيف سيكون شكل المنافسة في الدوائر التي يوجد فيها أكثر من مرشح للحزب في دائرة واحدة، وكيف ستجرى التربيطات بين مرشحين من الفئات والعمال. ومن الدوائر التي تم ترشيح أكثر من مرشح واحد فيها دائرة طنطا التي سيخوض أحمد شوبير الانتخابات فيها على مقعد الفئات في مواجهة زميله ياسر الجندي، إلى جانب مرشحي "الإخوان" والمعارضة والمستقلين والمنشقين عن الحزب الحاكم. وفي البحر الأحمر (الدائرة الشمالية)، يواجه محمد عبد المقصود زميليه المرشحين عن الحزب "الوطني" على مقعد الفئات محمد دردير وأحمد الضوي. وتساءل البعض عن موقف مرشحي الحزب من زملائهم الآخرين، ومن ذلك على سبيل المثال دائرة محرم بك بالإسكندرية، حيث يترشح الدكتور مفيد شهاب وزير الدولة للشئون القانونية والبرلمانية على مقعد الفئات، بينما يترشح فتحي عبد اللطيف وعبد السيد غنيوة على مقعد العمال عن الحزب، إذ سيتعين عليه المفاضلة بين واحد منهما للتنسيق في مواجهة مرشحي أحزاب المعارضة والمستقلين و"الإخوان". وكذلك في دائرة السيدة زينب، حيث سيترشح الدكتور أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب على مقعد الفئات، بينما يوجد مرشحان عن الحزب مقعد العمال، وهما" عبد الفتاح محمد علي ومحمد طلعت متولي، إذ سيجد نفسه في مأزق حول من سيحضر مؤتمره الانتخابي، والتنسيق معه. وفي دائرة (منوف- سرس الليان- السادات)، حيث سيترشح المهندس أحمد عز على مقعد الفئات بينما رشح الحزب ثلاثة على مقعد العمال بالدائرة. من جانبهم، فسر قيادات أحزاب وقوى المعارضة إقدام الحزب "الوطني" على ترشيح أكثر من 700 مرشح للمنافسة على 508 مقاعد - بما فيها "كوتة" المرأة- بأنه راجع إلى التخبط وضعف قيادات "الحرس الجديد" المهيمنة على الحزب. وأكد حلمي سالم، رئيس حزب "الأحرار"، أن ما حدث يؤكد أن هناك هلعًا وخوفًا داخل الحزب من الانتخابات القادمة، وقال إنه أراد الدفع بهذا الكمِّ من المرشحين؛ تفاديًا للانشقاقات ولعلمه بحالة الغضب والمتربصين منه من أعضاء الحزب الذين تمَّ استبعادهم من قوائم المرشحين. وأضاف: أتوقع أن يتعرض الحزب "الوطني" ومرشحوه لمأزق خطير في ضوء الأعداد الكبيرة من زملائهم، الذين تمَّ استبعادهم من قوائم الحزب، فضلاً عن الأعداد الأخرى التي أعلنت انشقاقها عن الحزب وتخوض الانتخابات القادمة تحت صفة "المستقلين". وتوقع أن يقوم المستبعدون بمساعدة عناصر أخرى من المعارضة والمستقلين و"الإخوان"، وسيصوتون لصالح هؤلاء انتقاميا من الحزب وقيادته من "الحرس الجديد"، مضيفا أن ما حدث ليس في صالح الحزب الحاكم من قريب أو بعيد. وأكد النائب حسين إبراهيم، نائب رئيس الكتلة البرلمانية ل "الإخوان المسلمين"، أن فتح الدوائر بهذه الصورة غير المسبوقة يشير بقوة إلى حجم الصراعات الموجودة داخل الحزب "الوطني"، خاصة أن الحزب يُعرف ب "حزب المصالح"، وتساءل: كيف ينافس حزب نفسه في الدوائر الانتخابية. وقال إن الحزب كشف عن نفسه أنه حزب ضعيف، فضلا عن كونه لا يثق في كوادره ولن يؤثر في نواب "الإخوان" ومنافسيه من أحزاب المعارضة، بل أن كل الطوائف والكتل السياسية سوف تستفيد من هذا الانقسام الذي وضع الحزب الحاكم فيه بشرط أن تكون هناك انتخابات حرة نزيهة. وشاطره الرأي النائب صلاح الصايغ، عضو الهيئة العليا لحزب "الوفد"، مؤكدًا أن ما حدث يشير إلى أن هناك حالة من الهلع والرعب والتخبط داخل الحزب الحاكم. وقال المفروض أن يخوض الحزب "الوطني" انتخاباته ب508 مرشحين، بما فيهم "كوتة" المرأة، وليس بالعدد الكبير الذي فوجئنا به.. وأعرب عن اعتقاده بخطأ حسابات من فكر في الدفع بأكثر من مرشح للتنافس على مقعد واحد في العديد من الدوائر، ورأى أنع ليس من مصلحة الحزب ما حدث، وإن كان في النهاية من مصلحة الأحزاب الأخرى والقوى السياسية. وتابع قائلا: نأمل من الحكومة تنفيذ وعد الرئيس حسني مبارك أن تكون الانتخابات القادمة حرة ونزيهة، تخرج وتفرز برلمانا يعبر عن الواقع وما تطلبه الجماهير، ونريد أن نعطي انطباعا للاتحاد الأوروبي أن مصر رائدة، وأنها دخلت مرحلة التطور الانتخابي. بدوره، تساءل سعد عبود النائب عن حزب "الكرامة"- تحت التأسيس-: أين الالتزام الحزبي الذي يقول عنه الحزب "الوطني"، وقال: للأسف لا نجد ما تقوله قيادات الحزب على أرض الواقع. ووصف فتح الباب على مصراعيه داخل الحزب بالتخبط الشديد الذي ينم عن اجتهاد شخصي عقيم يقوده أحمد عز أمين التنظيم، وهو ما يعكس أيضا فشل ما أسماها ب "مدرسة عز" التي قال إنها لم تفهم المجتمع المصري بشكل جيد. وأضاف: ما حدث داخل الحزب "الوطني" يؤكد أن هناك كارثة كبرى سوف تحدث له، بشرط وجود ضمانات جديدة لنزاهة الانتخابات ووجود قاض على كل صندوق إلا أنه وكما نعلم التزوير قادم وعقد الصفقات واضح واللعبة في يد الحزب الوطني وحكومته. وانضم إليه في الرأي النائب محمد عبد العزيز شعبان، عضو اللجنة المركزية لحزب "التجمع"، قائلاً إن الحزب "الوطني" عندما فتح العديد من الدوائر المرشحين على مقعدي "الفئات" و"العمال" ووصل الأمر إلى أن هناك 6 مرشحين للحزب يتنافسون في دائرة واحدة، لم يدرك أن هناك كارثة يمكن أن يقع فيها. وأوضح أن هناك مرشحين في دائرة واحدة، بينهم العديد من الخلافات والدعاوى القضائية التي شهدتها قاعات مجلس الشعب في دورات برلمانية سابقة، وقال: إنني أتوقع أن تكون المعركة الانتخابية بين مرشحي الحزب الوطني قبل أن تكون بين مرشحي أحزاب المعارضة والمستقلين والإخوان. وتساءل عبد العزيز: أين معايير الاختيار والمواءمة السياسية داخل الحزب "الوطني"؟ وقال: إن معايير الاختيار التي تبنَّاها "الوطني" سوف تُشعل النيران داخل جدرانه، خاصة أن موجه الغضب أصابت المستبعدين ومن فتحت دوائرهم.