ظاهرة غريبة ينفرد بها المصريون دون غيرهم. حينما يكون النظام على خلاف مع فرد أو جماعة يجدها محبو التزلف فرصة لأن يجاهروا بتأييدهم وتضامنهم مع النظام. وبقدر ما يبدونه من عداء تجاه ذلك الفرد أو تلك الجماعة، يتقدم ترتيبهم في قائمة المنتظرين لأن يمن عليهم النظام بصدقة عارضة، مآلها الزوال. أقول هذا عن تجربة ذاتية تذكرتها وأنا أتابع الهجوم الذي يشنه البعض على جماعة الأخوان المسلمين. فقد قرأت مؤخرا مقالا ينعي على هؤلاء القوم، ممثلين في اتحاد الأطباء العرب، قيامهم بجمع تبرعات لشراء الأضاحي لتوزيع لحومها على فقراء المسلمين، ومن بينهم بالطبع فقراء مصر. ويستنكر المقال وقوف فقراء مصر في طابور السائلين للصدقة والإحسان، متوهما أن أغنياء مصر سيكفلون فقراءها. ثم يتساءل المقال عن مصير الأموال المحصلة، ولا يخفي عجبه من جمع تبرعات بدون إذن الحكومة، ثم لا يفوته أن يعلن تضامنه مع الحكومة ضد هذه الجماعة. هكذا... تشكيك، واستعداء، وتضامن وكأن الحكومة مقصرة في واجباتها تجاه الجماعة. ليس هناك ما يدعو إلى العجب من جمع التبرعات بإذن أو بدونه. فهناك غير جهة تعلن عن صكوك الأضاحي، وغير جمعية لتلقي التبرعات، وهناك بنك للطعام، وجمعيات تجوب البيوت لجمع ملابس لتهذيبها، وأجهزة ترمم وتجمع أوصالها المفككة، فضلا عن نداء يومي للتبرع ولو بجنيه واحد لصالح مستشفى... كل هؤلاء مسموح لهم، بل ولا يسألون عما يجمعون، أما حينما يعلن اتحاد الأطباء العرب عن دعوة للتبرع لصالح الفقراء فهذا إثم مبين يستوجب القصاص. وأين أثرياء مصر الذين يغازلهم المقال، الذين ينفقون الآن بلا حساب على الدعاية الانتخابية، ويستغلون الفقراء، يشترون أصواتهم بكسرة خبز. أين رجال الأعمال، المستثمرون منهم والمحتكرون، المستوردون والمصدرون المتاجرون بأقوات الناس... وكلهم من ذوي المليارات. وأين لاعبو الكرة والفنانون وهم يتقاضون الملايين، أين كبار الصحافيين والإعلاميين ومرتباتهم ومكافأتهم أيضا بالملايين. لم نسمع أن أيا منهم مد يد العون إلى فقراء مصر. هؤلاء الأثرياء لو أخرجوا زكاة أموالهم ودفعوا ما عليهم من ضرائب ما وجدت في مصر فقيرا أو محروما. ولو أن هناك عدالة في توزيع خيرات مصر ما وجدت فيها معدوما أو معوزا. كثير من هؤلاء الأثرياء كونوا ثرواتهم الفلكية بطرق مغموزة، اعتدوا على حقوق الفقراء وهربوا ما جمعوه، فهل ينتظر منهم أن يتبرعوا. ليس مطلوبا من هؤلاء الأثرياء التبرع أو التزكية عن أموالهم، فقط ليتهم يتوقفون عن أخذ ما ليس لهم بحق، وكفاهم ما اغترفوه. فإن اكتفوا سيذكر فقراء مصر لهم هذا الجميل. ولعل صاحب المقال يذكر تلك الدعوة إلى التبرع التي تبنتها جريدة الأهرام منذ فترة طويلة لبناء مدينة الفيروز في شمال سيناء. لقد جمع قدر كبير من المال، ولم تبن المدينة. فهل يستطيع صاحب المقال بما له من صلات أن يدلنا على مصير تلك التبرعات، أو على الأقل يتضامن مع السؤال عن مصيرها. لا خير يرجى من أثرياء مصر، وفقراء مصر ليس لهم راع. أفحينما تتطوع جهة نقابية معروفة بتنظيم حملة تبرعات يكون الاستهجان واستعداء النظام عليها بسبب أن بها شائبة من جماعة الإخوان المسلمين. ما بال هؤلاء "الإخوان" ... إن عملوا في الخير لا يسلمون من الغمز واللمز، وإن شاركوا في العمل الوطني، فلهم مأرب سياسي، وإن اقتصروا على الدعوة بالمعروف اتهموا بتغرير الشباب واستقطابهم... عجائب!