، أم أنك ستظل تشاهد الأخبار، وتمصمص الشفاة، وتضرب كفا بكف، وتناجي نفسك، وتفضفض مع أصدقائك: (شفت) ولاد ... بماذا حكموا على البنات، (11) سنة سجن، المفترون الجبابرة، ومن قبلها حكموا على شباب الأزهر، ب(17) سنة سجن، وأين شيخ الأزهر وأين ... وأين؟ أم ستظل مناضلا بسلاح (الكيبورد) من خلال الفيسبوك والتويتر ومواقع التواصل الاجتماعي، تناضل بالإعجاب والمشاركة والتعليق، وتشارك نفس الصور والكلمات التي رآها الناس في محيطك مائة مرة. اعمل حاجة مفيدة يا أخي، خطوة للأمام وليس خطوة في المكان، سر للإمام أو در لليمين أو لليسار، ولا تظل محلك سر، اعمل حاجة، أي حاجة، على رأي عبد الحليم حافظ. والشاعر العربي يقول: إذا أنت لم تنفع فضر فإنما * يرجَّى الفتى كيما يضر وينفعا إذا لم تستطع أن تنفع أصدقاءك، فضر أعداءك، وإلا فما فائدة من لا يضر ولا ينفع، ولا يبصر ولا يسمع، ولا يعطي ولا يمنع، أما أن تكون ريشة (طيشة) إمعة، فخير لك ألا تكون أصلا. اعمل ما تقدر عليه، شارك في المظاهرات، إذا كنت تستطيع، أم ستنتظر حتى تنتصر الثورة وساعتها تنزل تحتفل في التحرير، وتحمل علم مصر، وترفع علامة رابعة. عيب عليك. العجيب أنه بعد انتصار ثورة 25 يناير، تسمع الجميع يقول: نزلنا للثورة يوم 25 يناير!! عجيبة، كل هؤلاء نزلوا للثورة يوم 25، فعلى من كانت الثورة إذن؟! لو خائف لا مشكلة، ساند المتظاهرين أمام البيت عندما يمرون، أو لوح لهم بعلامة رابعة من شرفة منزلك. تكلم مع الناس، قل لهم: إن ما يحدث هذا لا يرضي الله. لا تكن أخرسا، لا تبلع لسانك في المواصلات وأنت تسمع حثالة البشر تتفوة بزبالة الكلام، فعندما تتكلم يدركون أنهم ليسوا وحدهم من لهم رأي ووجهة نظر. ليس المطلوب أن تكسب الحوار، ويسلم الجميع لك، فهناك حوار هدفه إقناع المحاور، وحوار هدفه إقناع المستمع، وهناك حوار هدفه تنبيه المتكلم أنه ليس على صواب، وأن القضية التي يطرحها ليست كلمة إجماع، وأن من حق غيره أن يعبر عن رأيه كما يفعل هو بالضبط، حتى ولو كان يظن أن رأي غيره خطأ محض. قل لهم: أنا هنا، وأنا مصري مثلكم، ولست إرهابيا، ولا يلزم إن أكون إخوانيا إذا خالفتكم، رغم أن الانتماء للإخوان ليس تهمة في ذاته. قل لهم: سأصدق كل ما قلتموه عنه الإخوان ومثله معه، ما شكل النظام البديل الذي تدعونني للقبول به؟ نظام يقتل الناس، ويلفق القضايا، ويعتقل الشباب، ويسجن الفتيات، ويستعين بالبلطجية، ويقصر في حماية الوطن، هل هذا ما تدعونني إلى القبول به، لا وألف لا، لا يمكن القبول بهذا. ركبت ميكروباصا، فقال أحد الركاب للسائق وكان ملتحيا، اذهب (كده) وأنت شكل (بتوع رابعة). قلت: وما لهم (بتوع) رابعة، أليسوا مصريين مثلك؟ أليس من حقهم التعبير كما تعبر، واحتدم النقاش. ألق حجرا في البركة الراكدة، فلعل المتكلم يعيد النظر فيما يقول، ولعل السامع يقتنع بما تقول. إذا عجزت عن القول، فهناك أهالي شهداء ومعتقلين، وأسر فقدت عائلها، لا تجد من يسأل عليها، أو يواسيها، أو يعينها في ظل الغلاء الفاحش الذي ضرب مصر، اسأل عن إحدى هذه الأسر وساعد نفسك بمساعدتها، ولو بالقليل، ولا تخف، فلا يوجد مخبر على كل باب. اعمل حاجة، لأن العقوبة عندما تنزل من السماء تعم الساكتين والظالمين، والحرية عندما تعود لن ينعم بها أهالي الشهداء وحدهم، بل ربما ينعم بها الشعب، ويظلون هم يجترون أحزانهم، ولن ينعم بها المعتقلون والسجينات، ولكن سينعم بها كل مواطن على أرض الوطن، ومن ثم فإن على كل مواطن أن يقدم شيئا من أجل نفسه، وأولاده، وأهله، فالحرية لا تقدم على أطباق من ذهب. أو لا أقل من أن تدعو في كل صلاة، أن ينصر الله الحق وأهله، ويهزم الباطل وحزبه، وأن يزيل الغمة ويكشف الكربة، ويعجل بزوال الانقلابيين، مع العلم أن الأطفال الصغار يفعلون هذا، يدعون لمصر في كل يوم، بل كل صلاة، بل كل سجود. أنت لا تقوم بشيء كبير. اعمل حاجة، فمتابعة الأخبار، والحزن والشرود، واغروراق العين بالدموع، والبكاء على الوسادات قبل النوم، وأحاديث الفضفضة مع الأصدقاء، كل ذلك وغيره جميل، لكنه أضعف الإيمان، وأضعف الإيمان قد يخفف التبعة، لكنه لا يحقق النصر للثورات. اعمل حاجة فقد حيزت لك الدنيا بحذافيرها: آمنا في سربك، معافى في بدنك، عندك قوت يومك. فهناك من فقد الحياة، ومن فقد الأمن، ومن أصيب بعاهات مستديمة، ومن غادر منزله إلى غير رجعة، وفتيات يبتن في المعتقلات والزنازين، ومن لا يجد قوت اليوم إلا بشق الأنفس. كل ما سبق موجه للأحياء، أما أعوان الشيطان، الذين ينفذون خطته، ومحاميي الشيطان، الذين يزورون الحقائق، وهم يعلمون أنهم كاذبون، والموتى الذين تحجرت قلوبهم، فقد قال الله فيهم: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر:22].