بعيدا عن الهاجس الأمني الذي يفترض الجدية في تهديد ما يسمى "الدولة الإسلامية في العراق" التي يندرج تحتها تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين باستهداف كل المسيحيين بعد انتهاء مهلة الثماني وأربعين ساعة للكنيسة القبطية المصرية، فإن الشك يعتري ذلك البيان الذي نشرته بعض المواقع الالكترونية كما اعترى البيان الأول الذي أعقب الهجوم على كنيسة سيدة النجاة في حي الكرادة ببغداد، وتحدثت عنه باسهاب في مقال سابق. التحليلات العسكرية العراقية والأمريكية تذهب إلى أن التنظيم الحالي للقاعدة هو جيل ثالث يتكون من العراقيين فقط ومقطوعي الصلة عن تنظيم القاعدة الأم. كيف يمكن لتنظيم كهذا أن يتحول إلى عابر للحدود الإقليمية، منذرا الكنيسة القبطية في مصر ومهددا المسيحيين في المشرق العربي ومصر وأينما وجدوا؟! بل كيف اخترق كنيسة سيدة النجاة الموجودة في منطقة شديدة الحراسة والسيطرة عليها بخمسة أفراد، وكيف نفذ 14 تفجيرا في بغداد رغم الوجود الأمني الكثيف مخلفا مذبحة من 84 قتيلا؟! تنظيم مثل ذلك لابد أن يكون مرتبطا بقوة إقليمية كبرى، وحتى أكون واضحا، فإنني أقصد إيران، فهي دولة محتلة للعراق إلى جانب الولاياتالمتحدة، وتسيطر على تنظيمات مسلحة وتمدها بالمعلومات الاستخبارية التي تتيح تنفيذ عملياتها بنجاح. والزج بمصر ومسيحييها في هذه العمليات يدخل في إطار الحرب التي تشنها إيران ضد منافسين إقليميين لها إذا اشتمت محاولتهم دخول الساحة العراقية. القاهرة استقبلت زعماء عراقيين في الفترة الأخيرة تناوبوا زيارتها مع السعودية، والأخيرة أطلق ملكها مبادرة لحل الأزمة العراقية. والقاهرة ، الرياض تحالف إقليمي – في رأي إيران – مناهض لوجودها المتمدد في العراق. عندما تم اختطاف القائم بالأعمال المصري إيهاب الشريف في يوليو 2005 وبث تنظيم الزرقاوي بيان إعدامه وهو معصوب العينين، حصلت على معلومات بأن جناحا مسلحا إيرانيا قام بهذا العمل، لثني الدول العربية عن إقامة علاقات ببغداد، ونشرت ذلك حينها. عقب ذلك بسنوات نقلت وسائل الإعلام ووكالات الأنباء عن ضابط رفيع المستوى في جهاز الإستخبارات العراقية الذي تتولى إدارته أمريكا منذ تأسيسه عام 2004 معلومات أدلى بها قياديون في تنظيم القاعدة تم اعتقالهم تؤكد تورط دولة إقليمية في عملية خطف وقتل السفير المصري، عبر 16 وثيقة وتسجيلا صوتيا موثقا لدى جهاز الاستخبارات العراقية. من بين ما قاله الضابط الاستخباراتي العراقي الكبير إن عملية خطف إيهاب الشريف سبقتها ثلاث محاولات خطف فاشلة بسبب حنكته ودرايته بشوارع بغداد وخبرته الأمنية، كان آخرها تعاونا بين عناصر تلك الدولة الإقليمية وتنظيم القاعدة مقابل صفقة سلاح يتم توريدها إلى العراق. وأضاف: كان الشريف يحاول سحب البساط من تحت أقدام سفير تلك الدولة الذي كان متفردا آنذاك في بغداد ما شكل إزعاجا لهم خاصة بعد قيام الشريف بعدة محاولات لرأب الصدع بين العراقيين السنة المتمثلة بهيئة علماء المسلمين وأطراف شيعية أخرى تحت شعار العروبة أولا". ونفى الضابط الكبير أن تكون تلك الوثائق والتسجيلات الصوتية الموجودة في جهاز الاستخبارات العراقي قديمة قائلا "كلها جديدة وتم تسليمها إلى الجانب الأمريكي وهناك سيل جديد من المعلومات سنقوم بإطلاع الجانب المصري عليه عما قريب"، منوها إلى أن يوم السادس من يوليو لم يكن يوم عملية تصفية السفير بل كانت في اليوم الثاني أي بعد 24 ساعة فقط وتم انتزاع معلومات منه بالقوة رافقها تعذيب حسب اعترافات موجودة ومسجلة. وأضاف "كان بالامكان دفع فدية مالية للقاعدة في ذلك الوقت لا تتجاوز المئة ألف دولار لإطلاق سراحه مثل باقي الرهائن الأجانب والعرب الذين اختطفوا في تلك الفترة لكن "الدولة الإقليمية (إيران) كانت تريد قلع جذور التواجد المصري والعربي بصورة عامه من بغداد حتى تكون بغداد ساحة حصرية لنفوذها وقد نجحت في ذلك. كان المنتظر أن تشهد الأيام التالية مزيدا من كشف الأسرار، لكن فجأة صمتت الدوائر العراقية والأمريكية وأهملت الدبلوماسية المصرية كعادتها السؤال عن حق من حقوقها وهو الحصول على تفاصيل التحقيقات التي جرت بشأن قتل سفيرها، خصوصا أنه وصلتها تلك المعلومات. من المقبول الاعتقاد بأن صفقة تمت بين بغداد التي يحكمها الشيعة وإيران لدفن تلك المعلومات وانهاء القضية تماما، لكن لماذا صمتت الولاياتالمتحدة وهي التي تشتبك مع إيران حول أصغر معلومة يتم تسريبها عن ملفها النووي، فهل يمكن أن يتحول العدوان اللدودان إلى حليفين فوق الساحة العراقية، وما هي حسابات واشنطن من وراء ذلك؟ تقول إحدى القراءات لما حدث خلال الأيام الماضية إن الذي يدير عمليات إيران في العراق وأفغانستان هو جهاز استخباراتي يسمى "فيلق القدس" يقوده الجنرال سليماني ويأخذ أوامره مباشرة من المرشد الأعلى، له ميزانيته الخاصة ومؤسسته المستقلة عن وزارة الأمن والاستخبارات الرسمية. ويقوم فيلق القدس بعمليات استخباراتية وتجسسية واسعة داخل العراق، وأقام تنظيمات مسلحة تأتمر بأوامره، مجندا أكرادا سنة إيرانيين لسحب البساط من الأحزاب الكردية العلمانية، وكان هؤلاء العملاء حلقة وصل بينه وبين عراقيين خرجوا من السجون الأمريكية وشكلوا ما يسمى الجيل الثالث من القاعدة. إيران معروفة بالأجهزة الاستخباراتية الموازية، فالحرس الثوري يمتلك أيضا جهازا استخباراتيا مستقلا، وكذلك يوجد في بيت المرشد الأعلى خامنئي الذي هو عبارة عن دولة الظل في ايران، فرع استخباراتي يشرف على كل المؤسسات الاستخباراتية والأمنية. وتشير القراءة إلى أن العملاء الأكراد لفيلق القدس نجحوا في تشكيل تنظيم مسلح تحت اسم "القاعدة"، ويصفه مسئولون عسكريون عراقيون بأنه حركة تمرد اكتسبت عناصره صلابة في السجون الأميركية ويمثلون تحديا للقوات العراقية. يقول تقرير لوكالة "رويترز": ربما تكون مكافحة ما يطلق عليه المسؤولون العراقيون «الجيل الثالث» من القاعدة أصعب كثيرا من ذي قبل لأن مقاتليه يستطيعون الاندماج في المجتمع العراقي ويعرفون نقاط ضعفه، كما أنهم يهتمون بأن تترك هجماتهم أثرا قويا أكثر من اهتمامهم بتحقيق انتصارات في ميدان المعركة. وتهدف هجمات القاعدة إلى جذب الانتباه وهز السكان في وقت مشحون بالتوترات الطائفية لإخفاق الساسة في الاتفاق على حكومة عراقية جديدة بعد 7 أشهر من انتخابات غير حاسمة. ولعلنا نشتم رائحة تداخل الدولة الإقليمية مع هذا التنظيم من التصريح التالي للواء الركن حسن البيضاني رئيس هيئة أركان الجيش في قيادة عمليات بغداد "أعتقد أننا نتعامل مع الجيل الثالث للقاعدة، وأغلبه تخرج من مركزي الاعتقال الأمريكيين (بوكا وكروبر) ومن مناطق مختلفة. يهاجم هذا التنظيم أهدافا تخضع لحراسة مشددة وقوات الأمن مباشرة، وتعتمد استراتيجيته بالدرجة الأولى على الصدمة، هو ليس من النوع الذي يبحث عن النجاح. إنما يبحث كثيرا من أجل أن يقال إنه فعل شيئا لذلك يختار مناطق محصنة. هنا يمكن أن نصل إلى توصيف مشابه لتهديده للمسيحيين في مصر والزج بشأن مصري في حربه داخل العراق. هو لا يبحث عن النجاح وإنما عن الصيت والسمعة وإحداث الصدمة. رسالة ينقلها بالوكالة عن طهرن إلى القاهرة بأن تبتعد مع حليفتها الرياض عن الساحة العراقية. يعلق مسؤول كبير بالشرطة العرقية "المشكلة أن معلومات عدونا الاستخبارية أقوى من مخابراتنا. هم يعرفون مواعيد الواجبات.. الطعام.. الاستراحة.. ساعات تبديل الواجبات.. نوع وعدد الأسلحة الموجودة في كل قاعدة عسكرية من قواعدنا". كيف تكون المعلومات الاستخبارية لتنظيم مقطوع الصلة تماما بالقاعدة في الخارج والمفترض أنه محاصر داخليا، أقوى من المخابرات العراقية والأمريكية.. ومن الذي يزودهم بتلك الأمور الدقيقة وبالغة السرية؟! [email protected]