المشهد السياسى فى مصر الآن يوحى للمراقب الخارجى بصورة ممتازة، وبأن الشعب يثب فى حيوية إلى مستقبل زاهر. يعتمد هذا المراقب فى قراءة المشهد على كتابات رئيس مجلس إدارة الأهرام ورئيس التحرير الذين يبشران بالمزيد من الرخاء وبأن الانتخابات القادمة التشريعية والرئاسية هى جائزة الشعب الوفى لقيادته المظفرة. يعتمد المراقب أيضاً على تصريحات رموز الحزب الوطنى وعلى رأسهم الرئيس مبارك نفسه ورئيس الوزراء وكلهم يقطعون بأن الانتخابات ستكون نزيهة ويقولون أنه حدثت بعض الأخطاء فى انتخابات الشورى وسوف يتم تفاديها هذه المرة. ولذلك عندما يسمع المراقب الحكومة وهى تؤكد أنها لاتقبل بالمراقبين الدوليين لأنتخاباتها لأن ذلك يعد تشكيكا مسبقاً فى النزاهة الناصعة، وأنه اعتداء على سيادة بلد لم يعد يملك سوى سيادته والتمسك بها وسط بيئة فرطت فى سيادتها، لأبد أن يصيبه الدهشة. إذا كان المراقب من العالم الثالث ومن إعلام الحكومة فسوف يعجب بهذه الغيرة القومية فى وجه افتراء صحف غير مسئوولة ومعارضة لمجرد المعارضة واصطياد أوهام تعدها أخطاء. أما إذا كان من دول غربية فسوف يشك فى أن بلده التى استعانت بالاشراف الدولى على انتخاباتها تتمتع بأى قسط من السيادة، وإن كانت تتمتع بالديمقراطية. وعندما يستمع إلى أحد كبار أساتذة العلوم السياسية فى الحزب وهو يؤكد أن من يترشح ضد الرئيس فهو بحاجة إلى دروس فى الأدب يدرك لفوره أن العلوم السياسية علم محايد يتخذ طعمه ورائحته حسب المنطقة التى يهبط فيها ويتفاعل معها، وهذه هى الإضافة المصرية الرسمية لفرع الدراسات الديمقراطية. ولكن هذا المراقب عندما يعرف أن الحكومة رفضت تقديم أى ضمان لنزاهة الانتخابات وأن تصريحاتها حول النزاهة هى نفسها طوال كل الانتخابات السابقة رغم الثغرات والإبداعات فى التزوير بدءا من إعاقة الترشيح والتلاعب بالكشوف والتضليل واللجان وفرض السأم على الناخب واعتقال المرشح أو إعاقته وإغلاق الصناديق قبل الإدلاء بالأصوات اعتمادا على أن الحكومة قد صوتت نيابة عنا وأن خيارها لاشك هو الأصوب وعندما يعرف ما تم فى الشورى، وما يتم الآن من حفلات انتخابية ظاهرها أن معركة جادة سوف تجرى بينما لا ينكر أحد تقريباً أن كل شئ معد، وعندما يعلم صور التزوير وقهر إرادة الناس قبل تزوير أصواتهم فى الصناديق وتغيير النتائج مكتبيا (عينى عينك) كما حدث فى انتخابات 2005 فى إحدى المحافظات، فإنه لاشك يقطع بأن الحكومة لديها انفصام قاتل فى الشخصية، فهى تريد أن تبقى وأنها لاتحسن إدارة البلاد ولكنها تتفنن فى إرادة البقاء وأنها تشيع قصص النزاهة والتزاحم على المجمعات الانخابية لتوهم المراقب أن الانتخابات جدية وأنها الطريق الوحيد لتشكيل مجلس الشعب، وأن التزوير افتراء من المعارضة ورجم بالغيب. إذا كانت الحكومة مصرة على التزوير ومصرة فى نفس الوقت على عدم منح أى ضمانات للنزاهة، مع إصرارها على توفر هذه النزاهة دون أن يسند هذا الزعم العلاقة التاريخية بين السلطة والناخب فى مصر، فيكون إصرارها على إجراء الأنتخابات مع النية فى تزويرها استخفاف بالوطن والمواطن وأقداره، بل إن الإصرار على إجراء الانتخابات يدل أيضاً على رغبة الحكومة فى الوفاء باستحقاق ديمقراطى شكلى أمام العالم الخارجى. أما إذا كانت الحكومة واثقة هذه المرة من أنها بكل ماقامت به من محاولات وتصريحات وبيانات ووعود وهبات ومكافآت لمن يؤيدونها سوف تحظى بثقتهم رغم معاناة الشعب من الفساد وسوء الإدارة الذى يصل إلى العمد، فإن ذلك سيكون ثقة فى غير محلها لأن الشعب مهما استدرج إلى العطايا المؤقتة والرشاوى لو أتيح له تصويت حر سوف يلقن جلاديه درساً قاسياً .لكل ذلك لا أظن أن الانتخابات ستكون نزيهة، ويكون الإصرار على إجرائها أصلاً بالتزوير مفاقمة لأزمة مصر وسعيا إلى انفجارها، وأرجو أن تتحلى الحكومة بالشجاعة فتعلن إلغاء الانتخابات وأن توجه تكاليفها الباهظة إلى فقراء مصر، بدلا من الآثار المدمرة لاجراء انتخابات مزورة رغم كل تأكيدات النزاهة.