وزير الزراعة: خفضنا أسعار البنجر لإنقاذ الفلاحين من كارثة.. وأي تلاعب بالأسمدة سيحول للنيابة    النيابة تكشف سبب حريق شقة بمنشأة القناطر: الحادث محدود ولا إصابات    العربية اتهشمت، تعرض الفنان فادي خفاجة لحادث سير مروع    في فعاليات كايرو اي سي تي.. خبراء عرب: مطلوب التعاون لبناء اقتصاد رقمي عربي    الدكتورة رانيا المشاط: الذكاء الاصطناعي سيساهم في خلق وظائف جديدة    جلسة في Cairo ICT 2025 تناقش التوازن بين الإمكانيات التكنولوجية وترشيد الإنفاق في الحوسبة السحابية    المندوب الروسي يتحفظ على المشروع الامريكي بشأن غزة في مجلس الأمن    موضوع بيراوده منذ 3 أيام، كامل الوزير يكشف كواليس ما قبل بيان السيسي بشأن الانتخابات (فيديو)    حبس المتهم بالتعدي على مسنة بالعجوزة    دون مساعدات مالية، صندوق النقد الدولي يطلق "برنامج تعاون مكثفا" مع سوريا    حازم الشناوي: بدأت من الإذاعة المدرسية ووالدي أول من اكتشف صوتي    ترامب: نشكر مصر والإمارات والسعودية وقطر والدول التي دعمت القرار الأمريكي بمجلس الأمن    مواعيد مباريات منتخب مصر في كأس العرب 2025 والقنوات الناقلة    تعرف على المنتخبات المتوّجة بلقب كأس العالم منذ انطلاقه عام 1930    مستوطنون يطلقون الرصاص على أطراف بلدة سنجل    اليوم.. استئناف محاكمة المتهم بهتك عرض الطفل ياسين داخل مدرسة خاصة بدمنهور    روبيو: قرار مجلس الأمن تاريخي من أجل بناء قطاع غزة يحكمها الفلسطينيون دون حماس    ترامب يستفسر كم ستربح الولايات المتحدة من تنظيم كأس العالم 2026    نجاة الفنان فادي خفاجة من حادث سير    وزارة الداخلية: فيديو شخص مع فرد الشرطة مفبرك وسبق تداوله في 2022    روسيا تنتقد قرار مجلس الأمن بشأن غزة    الهيئة الوطنية للانتخابات تُعلن اليوم نتائج الجولة الأولى لانتخابات مجلس النواب 2025    ممثل الجزائر لدى الأمم المتحدة: دعمنا القرار الذي يهدف إلى وقف إطلاق النار في غزة    إثيوبيا تؤكد تسجيل 3 وفيات بفيروس ماربورج النزفي    ارتفاع تدريجي في درجات الحرارة... حالة الطقس المتوقعة اليوم الثلاثاء 18 نوفمبر 2025    قتلوه في ذكرى ميلاده ال20: تصفية الطالب مصطفى النجار و"الداخلية"تزعم " أنه عنصر شديد الخطورة"    ضبط 400 كجم لحوم غير صالحة للاستخدام الآدمي ضمن حملة رقابية على الأسواق بمدينة أوسيم    اتجاه لإعادة مسرحية الانتخابات لمضاعفة الغلة .. السيسي يُكذّب الداخلية ويؤكد على التزوير والرشاوى ؟!    كامل الوزير: القطار السريع سيغير وجه مصر    عاجل – حماس: تكليف القوة الدولية بنزع سلاح المقاومة يفقدها الحياد ويحوّلها لطرف في الصراع    شاهين يصنع الحلم.. والنبوي يخلده.. قراءة جديدة في "المهاجر"    مديرية صحة الفيوم تنظم تدريبًا متخصصًا في التحول الرقمي والأمن السيبراني للموظفين.. صور    الكنيسة الإنجيلية اللوثرية بالأردن تستقبل وفدًا من قادة كنائس أمريكا اللاتينية والولايات المتحدة    عبد اللطيف: نهدف لإعداد جيل صانع للتكنولوجيا    أوقاف البحيرة تنظم ندوة حول مخاطر الذكاء الاصطناعي بمدرسة الطحان الثانوية    رئيس حي شرق شبرا الخيمة بعد نقل مكتبه بالشارع: أفضل التواجد الميداني    نتيجة وملخص أهداف مباراة ألمانيا ضد سلوفاكيا في تصفيات كأس العالم 2026    مصرع شاب وإصابة 2 آخرين بطلق ناري في ظروف غامضة بقنا    ضبط التيك توكر دانا بتهمة نشر الفسق والفجور في القاهرة الجديدة    هولندا تضرب ليتوانيا برباعية وتتأهل إلى كأس العالم للمرة ال 12    رئيس منطقة بني سويف عن أزمة ناشئي بيراميدز: قيد اللاعبين مسؤولية الأندية    أكرم توفيق: الأهلي بيتي.. وقضيت بداخله أفضل 10 سنوات    فرنسا تواجه كولومبيا وديا قبل مواجهة البرازيل    الصحة ل ستوديو إكسترا: تنظيم المسئولية الطبية يخلق بيئة آمنة للفريق الصحي    شاهد.. برومو جديد ل ميد تيرم قبل عرضه على ON    صدور ديوان "طيور الغياب" للشاعر رجب الصاوي ضمن أحدث إصدارات المجلس الأعلى للثقافة    اليوم عيد ميلاد الثلاثي أحمد زكى وحلمى ومنى زكى.. قصة صورة جمعتهم معاً    ندوة البحوث الإسلامية تسلط الضوء على مفهوم الحُرية ودورها في بناء الحضارة    مستشفى الشروق المركزي ينجح في عمليتين دقيقتين لإنقاذ مريض وفتاة من الإصابة والعجز    أفضل أطعمة لمحاربة الأنيميا والوقاية منها وبدون مكملات    توقيع الكشف الطبى على 1563 مريضا فى 6 قوافل طبية مجانية بالإسكندرية    توقيع الكشف الطبي على 1563 مريضًا خلال 6 قوافل طبية بمديرية الصحة في الإسكندرية    غيرت عملة لشخص ما بالسوق السوداء ثم حاسبته بسعر البنك؟ أمين الفتوى يوضح    موعد شهر رمضان 2026 فلكيًا .. تفاصيل    دار الإفتاء: فوائد البنوك "حلال" ولا علاقة بها بالربا    بث مباشر.. مصر الثاني يواجه الجزائر للمرة الثانية اليوم في ودية قوية استعدادًا لكأس العرب    لكل من يحرص على المواظبة على أداء صلاة الفجر.. إليك بعض النصائح    الفجر 4:52 مواقيت الصلاه اليوم الإثنين 17نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمة الليبرالية السعوديّة
نشر في المصريون يوم 15 - 10 - 2010

أحاول دائماً أن أفصل بين مستوى (الاحترام) ومستوى (الاتفاق) في التعامل مع الآخرين.. فثمة أشخاص وتيارات ومؤسسات يمكن أن نحترمها، وفي نفس الوقت قد نختلف معها بشكلٍ جذري.. وفي المُقابل هناك تيارات وأشخاص قد نتفق معهم في مُعظم الأفكار، ولكن قد لا نراهم جديرين بالاحترام.
المسألة تتعلق بشكل رئيس بمقدار الصدق والانسجام بين (المبدأ) و (التطبيق).. فعلى الرغم من أن رجلاً كنيلسون مانديلا نختلف معه في دينه وربما في كثيرٍ من مبادئه وقيمه، إلاّ أنه رجل يستحق الاحترام؛ لأنه ضحّى من أجل مبادئه، وكان مثالاً للانسجام بين (المبدأ) و (التطبيق).. وفي الوقت ذاته قد لا نحترم رجلاً نتفق معه في مُعظم أفكاره، ولكننا نراه انتهازياً ومهموماً بالبحث عن مصالحه، ومُستعداً للتضحية بمبادئه وبيعها عند أول (عرض) للشراء.
وقبل أن أتحدث عن الليبرالية السعودية، أشير فقط إلى أن التعميم الموجود في عنوان المقال هو من قبيل التجوّز الصحفي، وإلاّ فحديثي دون شك هو عن الغالبيّة لا عن الكل، أو بشكل أدقّ عن الصوت الطاغي في الوسط الليبرالي السعودي، الذي ينشط في الإعلام والمواقع النتيّة.. وليس عن الجميع بالطبع.. بل لا بد من الإشارة إلى أن هناك أصواتاً ليبرالية مُحترمة ونزيهة ومُنسجمة مع أصولها النظريّة، قد يختلف أحدنا معها في موضوعات، ويتفق في أخرى، ولكننا لا نملك لها سوى الاحترام.
مشكلة الليبرالية السعودية في غالبها أنها باتت كالحزب الشيوعي الذي قرر أن ينضمَّ لمُنظمة التجارة العالمية مقابل استلامه لحفنة دولارات! وكمناضلٍ في حقوق الإنسان قرر أن يعمل ناطقاً رسمياً لجهاز الأمن السياسي! وكالإسلامي الذي صار يُدافع عن الغزو الأجنبي لبلاده من أجل أن يحصل على فيزة دخول لأمريكا!
الفلسفة الليبرالية باعتبارها تتكئ أساساً على قيمة (الحرية).. تشكلت ابتداءً في القرن السابع عشر في إطار برجوازي رأسمالي يقوم على مبدأ حرية السوق ومحاربة الإقطاع، وقد نظّر لها بعد ذلك آدم سميث في أواسط القرن الثامن عشر بكتابه (ثروة الأمم)، وردّد فيه الشعار الشهير (دعْهُ يعمل، دعْهُ يمر).. وأخذت الفكرة الليبرالية زخماً كبيراً في إطار الفكر السياسي من قبل سميث على يد جون لوك، ومنتسكيو، وجان جاك روسو، وآخرين.. وكانت فلسفتها ترتكز على نقض الاستبداد والتفرد بالحكم، ورفض هيمنة السلطة الدينيّة الثيوقراطية، وضرورة المُشاركة الشعبيّة في القرار السياسي على أساس العقد الاجتماعي، والدستور، وفصل السلطات، وإعادة إنتاج النظام البرلماني الديمقراطي التمثيلي بعد تطويره من الصورة الإغريقيّة القديمة.. وسوى ذلك.
أما ، وأنها لم تكن معنيّة بتأسيس معايير نظرية للحرية الأخلاقية، بل هي لمحقل (الليبرالية الأخلاقية)، فكان أضعف حلقات وآخر تمظهرات الفكرة الليبرالية الغربيّة، بل إن بعض الباحثين يرى أن المبحث الأخلاقي غير حاضر في تكوين الفكرة الليبرالية تتجاوز الانسجام مع مستوى الحرية الأخلاقية المُتاح في المُجتمعات الغربيّة، وهي مساحة تشترك فيها الليبرالية مع عددٍ من الفلسفات والمدارس الفكرية التي نشأت في مرحلة ما بعد عصر النهضة (عقلانية عصر الأنوار، ثم العصر الرومانطيقي، وحديثاً المدرسة الوجوديّة والتيارات العدميّة، وسواهم)، لذلك يقع موضوع الحُريّة الأخلاقية في أحسن الأحوال على هامش الفلسفة الليبرالية وليس في متنها.
وإذا كانت (الحريّات السياسيّة) هي المرتكز الأهم والشريان الرئيس في (النظريّة الليبرالية)، فإن مشكلة الصوت الطاغي في الليبرالية السعودية أنه غير معنيٍّ تماماً بهذا الموضوع. ولا تكاد تجد في ثناياه من يتبنّى الدعوة إلى إقامة نظام سياسي وفق الهيكليّة الليبرالية، بل هو أحياناً يُكرِّس الاستبداد والظلم والتفرّد في الحكم. حتى باتت الليبرالية السعودية مجرد دعوة إلى (التحرر الأخلاقي) ليس إلا! وأنها مهمومة فقط بمُناكفة التيار الإسلامي في قضايا الحريات الأخلاقية والسلوكية التي هي (بمقاييس الفلسفة الليبرالية) في آخر سُلّم الأولويات!
التيار الليبرالي السعودي في غالبيته يسترخي بأمانٍ داخل مِعطف السلطة، ومن موقعه ذاك يمارس كل المُوبقات المُناقضة للفكرة الليبرالية. فهو يدافع عن الظلم والاستبداد السياسي، ويُمارس التحريض الأمني ضد خصومه الإسلاميين، ويقف ضد حرية التعبير إذا كانت في غير صالحه، وتجد أن أفراداً من هذا التيار مُستعدون لأن يعزفوا أسبوعاً على وتر خطأ بسيط لهيئة الأمر بالمعروف، أو لأجل كلمة عابرة قالها أحد دعاة الصحوة، وفي ذات الوقت هم غير مُستعدين لكتابة مقال واحد في أي موقع إلكتروني مفتوح عن المُعتقلين السياسيين، أو عن صفقات المال المُهدرة، أو عن حق الشعب في المشاركة بالقرار السياسي.. لذلك غدت الصورة الذهنية لليبرالية السعودية، أنها مجرد دعوة لتجاوز القيم الأخلاقية في المجتمع.
بل غدا حتى الموقف من التيار الديني عند بعض الليبراليين مُرتبطاً بأجندة السلطة. لذا يقوم هؤلاء البعض بالدفاع عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في ذات الوقت الذي يتهمون فيه حركة الإخوان المسلمين بالتطرف والغلوّ! (أياً كان الموقع الفكري للشخص، فلا أظنه يسوغ إنكار حقيقة أن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب هي أكثر مُحافظة وأبعد عن "الليبرالية" من حركة الإخوان المسلمين!).
وفي المُقابل نجد أن المجموعة المُطالبة بالإصلاح الدستوري، والتي تتبنى الدعوة للمشاركة الشعبية في القرار السياسي، وإجراء انتخابات، وفصل السلطات، وسوى ذلك وكلها مطالب من صميم الرؤية الليبرالية تضم في قائمتها أشخاصاً من غالب التباينات الفكرية المحليّة (الإسلاميين، القوميين، اليساريين)، ولكنك لن تجد في ثناياها أشخاصاً محسوبين على التيار الليبرالي!
فضلاً عن أن هذا التيار الذي ظل يدعو إلى الانفتاح على الثقافة الغربية، لم يُصدر من جانبه أي إنتاجات رصينة في الفكر أو في الفلسفة أو في علوم الاجتماع أو حتى في رؤيته للفكر الديني، يستطيع من خلالها أن يطرح رؤيته بشكل تفصيلي.
وإذا كان كثير من رموز التيار السلفي المُحافظ يتفقون مع كثير من رموز التيار الليبرالي في الدعوة إلى الطاعة المُطلقة للسلطة، والسكوت عن الأخطاء والمظالم.. إلاّ أن الفرق الجوهري بين الطرفين يكمن في أن السلفيين مُنسجمون مع تراثهم وأدبياتهم؛ فهم لم يقولوا يوماً أنهم دعاة تحرر ومشاركة شعبية في القرار السياسي، بل إن أدبياتهم تحثهم على الطاعة والولاء. لذا تغدو المشكلة مع هؤلاء مشكلة ثقافية محضة.. لكن في المقابل فإن التيار الليبرالي يفعل عمليّاً كل ما يُناقض أصوله النظرية، حتى بات من أشد خصوم فكرة البدء بتطبيق بعض المُمارسات الديموقراطية في المجتمع، وذلك خشية من فوز الإسلاميين.. وهنا تكمن المُفارقة الأخلاقية!
وبعد كل ذلك.. هل ثمّة مُسوّغ يدعو لاحترام ظاهرة الليبرالية السعودية؟!
*كاتب صحفي سعودي
*بالاتفاق مع الإسلام اليوم .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.