المؤكد أن أزمة مصر كلها تبدأ بأزمة الحكم فيها الذى إنفرد بالسلطة إنفرادا مطلقا لثلاثة عقود وعجز عن إنقاذ مصر داخليا وخارجيا ولكنه فى نفس الوقت لا يريد لغيره أن يستنقذها ، بل ويصر على الاستمرار بكل صور التحايل وإبعاد المعارضة عن جميع الساحات وقطع التواصل الطبيعى بينها وبين الشعب مع التمسك بسياسة التجمل والوعود التى فضحها واقع المجتمع المصرى. فإذا كان الحزب الوطنى يعرف أن نظامه هو الذى نصب نفسه ولم يختره أحد ولم يجرى إنتخابات حرة فى تاريخه ويعلم حجم الفساد الذى أرتكبه ، كما يعلم أن أصراره على البقاء رغم الدمار هو لحمايته من المساءلة وأستمراءا لوضع لا يجد فيه من يحاسبه بعد ان تدهورت هيبة الدين والاخلاق والمجتمع خاصة بالنسبة لعناصر لم تتزود بأى قسط من الاخلاق خلال تربيتها الاسرية أدى هذا الوضع الى تمسك الحزب الوطنى بالسلطة بكل الوسائل ورفض أجراء إنتخابات حرة الى تكسر موجات المعارضة ومطالبها ولذلك صورت ازمة مصر فى أعلام الحزب الوطنى بأنها مناوشات وتحامل من جانب المعارضة على حزب وطنى ديمقراطى ناجح حسبما عبر السيد صفوت الشريف فى رده على مطالب المعارضة بشأن ضمانات الشفافية والنزاهة فى الانتخابات التى وصلت الى حد الرفض لهذه الضمانات فعلام يراهن الحزب الوطنى ؟ وعلام تراهن المعارضة ؟ الواقع ان الحزب الوطنى يراهن على الشعب من منظور معين كما يجب على المعارضة ان تراهن عليه من منظور اخر الحزب الوطنى يبنى حساباته على اساس ان الشعب لم يشارك مطلقا فى أختيار نوابه وأن الحكم يقوم بذلك نيابة عنه سواء بالتعبير عن إرادته أو بتزوير هذه الارادة بحيث اصبحت الانتخابات شكلا من أشكال الديمقراطية وأدواتها ،تصر السلطة عليها حتى توهم العالم بأنها سلطة ديمقراطية وقد أنكشف ذلك كله ولكن السلطة فى مصر تنظر الى الشعب نظرة بالغة السلبية وقد قامت هذه النظرة على اساس تصور خاطىء ربما يصل فى خطئه الى حد الجريمة وهو أن الشعب المصرى لا يجرؤ على تحدى التزوير وانه ينسحب عادة امام عملياتها الامنية وأن التصدى للتزوير يكلف المتصدى حياته أو رزقه أو حريته مادام الامن هو الذى يقوم بهذه المهمة ، ولذلك فإن الشعب لا يمثل مشكلة بالنسبة للسلطة ، بل أن السلطة أمعنت فى خداعها للشعب بالتظاهر بوجود معارك إنتخابية حقيقية واستخدمت فى ذلك جميع الوسائل غير الاخلاقية منها أستغلال حالة البؤس و الجوع التى أنزلتها بالشعب فى تقديم رشاوى نقدية او عينية ومنها بذل الوعود الزائفة التى يسددها المرشح من ميزانية الدولة لان الحزب الوطنى قد جعل مصر دولة الحزب بدلا من ان يكون حزبا فى الدولة ،وأمعنت السلطة فى ذلك لدرجة انها استعانت بفرق البلطجية التى أعدتها وزارة الداخلية لقمع المعارضين وأرهاب المواطنين والمرشحين والناخبين فأدى ذلك الى شيوع ثقافة اليآس عند المواطن وعدم الفائدة بل وأمتناعه عن المشاركة حفاظا على كرامته. وقد استغلت السلطة بوضوح الخوف التاريخى من السلطة لدى المواطن بكل رموزها لان اى اخطار من جانب السلطة للمواطن ينطوى دائما على شر مستطير ، وهو اما استدعاء فى قضية او استدعاء للتحقيق او استدعاء لارتكاب مخالفة ، كما بالغت السلطة فى مصر فى تدبير وتلفيق الاتهامات مادامت ضمنت السيطرة الكاملة مع معظم احكام القضاء ،بل انها ضربت رقما قياسيا فى العالم فى عدم احترام احكام القضاء فشعر المواطن بعدم الحماية كما ادرك ان ثمن مشاركته فى الانتخابات باهظ وبلا مقابل لان صوته لن يعتد به ،بل انه سوف يستبدل بصوت مخالف . اما المعارضة فيجب ان تراهن على الشعب ايضا ولا تحصر معركتها من اجل الديمقراطية مع السلطة وهو تدرك ان قص اجنحة المعارضة وقطع تواصلها مع الشعب هو الطريق المثالى لاهانه المعارضة امام الشعب وأظهارها بقلة الحيلة وعدم الفاعلية وعدم الثقة بها ،فصار المواطن لا يثق لا فى السلطة ولافى المعارضة وأوكل أمره الى الله وعساه ان يرفع عنه ما يعانيه. ازاء هذا المشهد الحزين لابد للمعارضة من أن تتصدى لتعنت السلطة وأمساكها بالحكم دون سند مشروع وأن تبذل الجهد على جبهتين :الجبهه الاولى مع السلطة وذلك بمزاولة الضغوط عليها وكشف زيف وسائلها والاصرار على الرقابة الدولية لان رفض السلطة تقديم ضمانات فى ظل السوابق المعروفة بالتزوير واقربها إنتخابات الشورى يعدم الثقة فى كل التأكيدات والتصريحات بعد أن فقدت السلطة مصداقتيها تماما وتراجعت الدولة لصالح الحزب الوطنى خاصة وان التقاعس فى التغيير يكلف مصر ومجتمعها الكثير مع كل يوم تمر به البلاد. اما الجبهة الثانية :فهى اقناع الناس ومساعدتهم على التعبير عن إختياراتهم فى لجان الانتخابات واذا أصرت السلطة على ممارسة الاعيب التزوير المألوفة عندئذ يجب على المعارضة ان تقف لتشهد العالم على ان النظام ليس ديمقراطيا كما يزعم وأنه يغتصب السلطة وانه ينهج سياسات تضر بالوطن والشعب وعلى العالم ان يتعامل مع هذا النظام على هذا الاساس والآ كان متواطئا معه على حساب الشعب المصرى يترتب على ذلك انه لا يجوز الجدل حول المقاطعة او المشاركة فى الانتخابات وإنما يتعين المشاركة الفاعلة بهذا المفهوم الذى طرحناه ولتكن المشاركة شاملة كما يجب ان يكون الانسحاب بعد الاعاقة شاملا ايضا.