عندي إيمان عميق أن البلاد بطبيعتها كالكائن الحي.. تشعر وتحس، من يحبها تحبه، ومن يتنكر لها تئن من فرط حزنها وألمها.. شعرت بذلك من خلال زياراتي المتعددة للجزائر ولا أقصد الجزائر العاصمة فحسب، بل ولايات عدة، وكل ولاية لها طعم ولون بل ورائحة! فالعاصمة تضمخك بعطر باريس الموشى بالروح العربية الممزوجة بالثقافة الفرنسية، في عادات الناس اليومية ويتعانق الأزرق والأبيض في ألوان واجهات البيوت، الاهتمام بالثقافة والفنون على قائمة اهتماماتهم.. فلا تجد ولاية من ولايات الجزائر إلا ولها مهرجان وطني وآخر دولي، سواء كان للمسرح أو السينما.. في سطيف بلد الكرم والضيافة والعمل والنشاط، تستيقظ الشمس من نومها مبكرة لترى الشعب في شغل فاكهين من الخامسة صباحًا.. حركة لا تنقطع وعمل دائب، المدينة تلفك بالطيبة والترحاب والأماكن التراثية، وعيون الماء تحيط بك لتستقر فاتحًا كفيك لعين الفوارة فتشرب حتى ترتوي رغبة في المجيء إليها مرة أخرى.. فهناك مثل يؤمن به قاطنو البلاد.. "من يشرب من عين الفوارة يعود إليها"، وقد شربنا منها حتى امتلأنا، وفي قلوبنا يكبر حبها يومًا بعد يوم.. في ميلة بلد التراث والتاريخ، تجد أزقة حديثة ملتوية صاعدة هابطة، والطبيعة الخلابة هى الصفة الدائمة التي تصاحب كل الأماكن والدروب.. ميلة القديمة، من لا يعرف شيئًا سيتندر عن أحجار هنا وأحجار هناك وعدة تماثيل مبتورة لا يمكنك بمفردك معرفة كنهها.. لكنك حين تستمع لمرشد الآثار وهو يشرح بحب سيرة بلده ومنطقته القديمة تشعر معه بالفخر.. لا لعظمة التاريخ فقط.. بل لاحترامهم وعشقهم لذلك التاريخ. هذه المرة أنا في بجاية.. للمشاركة في المهرجان الدولي للمسرح.. جبال خضراء .. قطعة من جنة الله في الأرض.. من خلف الفندق الذي نسكن فيه ومن الأمام.. عبر شرفة الغرفة تسمع هدير الأمواج وترى عيناك الزبد الذي يذهب جفاء.. وتتخيل ما الذي تراه الآن يمكث في الأرض.. أن ترى بلادًا وتصبح لك فيها ذكريات.. فقد صرت جزءًا منها تحبها ورغمًا عنك تحبك هى الأخرى، فإذا تشوقت إليها يومًا.. بالتأكيد هى الأخرى تشوقت لك أيضًا.. يحدث هذا مع الجزائر ومع أهلها الطيبين.. المحبين للفن والحياة والمتدينين بطبعهم بعيدًا عن التعصب.. من شعب بجايةبالجزائر.. لمصر الحبيبة التي تركت فيها قلبي.. كل دعوات السلام والمحبة والاطمئنان.