بقلم نادر أبو تامر في كانون ولدت. وفي كلّ عام في كوانين كنت أنظر عبر الستارة إلى الخارج. أبحث عن المطر. وعن البرد. كانت المرحومة أمي تحدثني عن برد كوانين عندما كنت طفلا وكيف كانت تلفعني وتلفني بمختلف ألوان القماش والكنزات الصوفية التي لم تشترِهَا من أي ماركة معروفة، بل كانت تغزلها لي بحُبّ، بأناملها. كنت أشعر بحنان أصابِعِها في كلّ خيط. ماركات اليوم، فكّرتُ، تعجبك. لكن، لا أدري إذا كانت تحبّك هي أو مَن يصنعُها. أنت تحبّ، الماركة، لأن كنزاتها جميلة، مريحة، مدهشة، هذا مؤكد، لكنها تفتقر للمحبة. وأبي، رحمه الله، كان يشدّني، حين كنت طفلا، إلى صدره لاستدفئ بجاكيتته قبالة كوانين (مناقل) النار. أذكر البرد، وأذكر حنان أبي ووجهه الذي يحمر من النار وكفتي يديه تنقلان دفء المنقل إلى يديّ ووجهي. المكيفات اليوم، لا تستطيع ذلك. أذكر عينيه تضحكان قبالة جمر الكانون، تضحكان وهو يضمني إليه. أمس كنت في القدس. زرت هذه المدينة التي يتحمّم التاريخ بهوائها. ويسرح شعره بحجارتها. حين أفقت في الصباح، في قريتي، قبل السفر، تذكرت برودتَها في مثل هذه الأيام. للقدس بردُها الخاصّ. نظرت في الأفق. ارتديت قميصًا طويل الكُمَّيْن خوفًا من بردها. القدس مدينةٌ برْدُها حادّ. قاطع. شتاءات القدس قاسية. نزلت من حافلة الباص فيها. شمرت كميَّ. ووجدتني أسير إلى جانب الأسوار والبيوت. في الظل. هربا من حر تشرين. حر قائظ. شمس لافحة. تحيرت. وتذكرتهما، أبي وأمي. كيف حدثاني طوال سنوات عن برد كوانين ووجدت في القدس، كلّ هذا الحرّ. قريبًا من كانون.