"لو عايز تبقى ضابط".. تعرف على المواعيد النهائية للتقديم بكلية الشرطة 2025    وزير العمل يفتتح ندوة توعوية بقانون العمل الجديد ويؤكد: مشاركة الجميع في صياغة القرارات    وزارة العمل تعلن عن 11 فرصة عمل للمصريين في الأردن برواتب تصل إلى 350 دينارًا    وزير الإسكان: طرح وحدات المرحلة الثانية من خلال «منصة مصر العقارية»    تدريب وتأهيل الشباب.. «الأقصر» مصنع الكوادر السياحية    السيسي يطلع على خطط تطوير شبكات الاتصالات.. توجيهات جديدة    بالصور- تحصين 41 ألف رأس ماشية ضد الحمى القلاعية بالإسماعيلية    "سلامة الغذاء": حملات على 414 منشأة غذائية بمختلف المحافظات    مستقبل وطن: موقف مصر من القضية الفلسطينية ثابت ورافض لتهجير    تشيلسي يقع في فخ كريستال بالاس في افتتاحية البريميرليج    "دعم مالي عاجل".. هيئة قناة السويس تزف بشرى سارة للنادي الإسماعيلي    الداخلية تكشف ملابسات فيديو تعرض سيدة للتحرش اللفظى بالجيزة    الأمن يقترب أكثر من المواطنين.. تدشين قسم شرطة زهراء أكتوبر 2| صور    أمن الفيوم يُعيد شخصًا من ذوي الاحتياجات الخاصة لأسرته بعد تقديم الرعاية اللازمة    قرار جديد من التموين بشأن عدادات المياه: حظر التركيب إلا بشروط    محافظ الجيزة يزور بطل واقعة إنقاذ "فتاة المنيب" للاطمئنان على صحته    بيان عاجل من هيئة الدفاع عن الطفل ياسين قبل جلسة الاستئناف غدا    مريم الجندي تكشف كواليس تفاصيل شخصيتها في «فلاش باك»    وصلة هزار بين أحمد وعمرو سعد على هامش حفله بالساحل الشمالي (فيديو)    الفريق أسامة ربيع يكرم الربان ولاء حافظ صاحب أطول غطسة لمريض شلل رباعي    خالد الجندي: مخالفة قواعد المرور معصية شرعًا و"العمة" توجه الأمة    "حقوق إنسان النواب": خدمات "الصحة" تعكس جدية الدولة في النهوض بالقطاع    مقاومة المضادات الحيوية: خطر جديد يهدد البشرية    مانشستر يونايتد يدرس التحرك لضم آدم وارتون    جوان ألفينا يبدأ مشواره مع الزمالك بأداء واعد أمام المقاولون العرب    رد فعل شتوتغارت على أداء فولتماد أمام بايرن    فنون شعبية وطرب أصيل في ليالي صيف بلدنا برأس البر ودمياط الجديدة    أس: تشابي ألونسو ينوي الدفع بماستانتونو ضد أوساسونا    مرصد الأزهر: تعليم المرأة فريضة شرعية.. والجماعات المتطرفة تحرمه بتأويلات باطلة    رئيس الأركان الإسرائيلي: نُقرّ اليوم خطة المرحلة التالية من الحرب    إصابة 6 أشخاص فى انقلاب ميكروباص بطريق "الإسماعيلية- الزقازيق" الزراعى    صحة الوادى الجديد: انتظام العمل فى المرحلة الثالثة من مبادرة "100 يوم صحة"    رئيس شئون القران بالأوقاف: مسابقة دولة التلاوة رحلة لاكتشاف جيل جديد من القراء    إلزام المؤسسات التعليمية بقبول 5% من ذوى الإعاقة في المنظومة.. اعرف التفاصيل    رئيسة القومي للمرأة تهنئ المستشار محمد الشناوي بتوليه رئاسة هيئة النيابة الإدارية    اللواء محمد إبراهيم الدويري: أوهام «إسرائيل الكبرى» لن تتحقق وتصريحات نتنياهو تدق ناقوس الخطر عربياً    الخارجية الروسية تتوقع فوز خالد العناني مرشح مصر في سباق اليونيسكو    الأنبا ثيئودوسيوس يترأس القداس الإلهي بكنيسة العذراء مريم بفيصل    حقيقة انتقال هاكان للدوري السعودي    مصر تحصد ذهبية التتابع المختلط بختام بطولة العالم للخماسي الحديث تحت 15 عامًا    136 مجلسا فقهيا لمناقشة خطورة سرقة الكهرباء بمطروح    الداخلية تكشف ملابسات تداول منشور تضمن مشاجرة بين شخصين خلافا على انتظار سيارتيهما بمطروح    محافظ كفر الشيخ يدشن مبادرة لزراعة الأشجار المثمرة ضمن مبادرة 100 مليون شجرة    وظائف شاغرة بالمطابع الأميرية.. تعرف على الشروط والتفاصيل    في 3 خطوات بس.. للاستمتاع بحلوى تشيز كيك الفراولة على البارد بطريقة بسيطة    حزب الجبهة الوطنية: تلقينا أكثر من 170 طلب ترشح لانتخابات مجلس النواب    مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي يعلن تفاصيل مسابقة "أبو الحسن سلام" للبحث العلمي    ملك البدايات .. . ليفربول يحتفل برقم محمد صلاح التاريخي فى الدوري الإنجليزي    المفتي يوضح حكم النية عند الاغتسال من الجنابة    الصحة: 30 مليون خدمة طبية للمواطنين خلال النصف الأول من 2025    مصرع شخص وإصابة 24 آخرين إثر انحراف قطار عن مساره في شرق باكستان    فتنة إسرائيلية    حظك اليوم وتوقعات الأبراج    رويترز: سماع دوي انفجارات قرب محطة للكهرباء في العاصمة اليمنية صنعاء    سعر الأرز والسكر والسلع الأساسية في الأسواق اليوم الأحد 17 أغسطس 2025    الأونروا: معظم أطفال غزة معرضون للموت إذا لم يتلقوا العلاج فورًا    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الجديد.. سعر الذهب اليوم الأحد 17 أغسطس محليًا وعالميًا (تفاصيل)    ملخص وأهداف مباراة ريال مايوركا ضد برشلونة 3-0 فى الدورى الإسبانى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. محمد المهدي: "الشباب المصري افتقد العمل والأمل فأقدم على الإنتحار!"
نشر في المصريون يوم 06 - 10 - 2010

اعتبر الدكتور محمد عبد الفتاح المهدي، الخبير النفسي المصري وأستاذ الطب النفسي وعضو الجمعية الإسلامية العالمية للطب النفسي، أن "حالات ومحاولات الإنتحار، التي وقعت في مصر خلال السنوات الخمس الأخيرة، هي أقرب إلى كونها مظاهر اعتراض ورسائل غضب موجّهة إلى الحكومة والنظام الحاكم"، مشيرا إلى أن "الفقر والبطالة والعنوسة، أشهر دوافع الانتحار وأن انعدام الأمل وقلة الحيلة، أبرز عوامل الانتحار وأن الشباب المصري قد افتقد العمل والأمل، فأقدم على الانتحار".
وفي حوار خاص ل swissinfo.ch، لخّص الدكتور المهدي، عضو الجمعية المصرية للطب النفسي ومستشار التحرير بمجلة "النفس المطمئِنة"، الوصفة العلاجية للقضاء على أو التقليل من ظاهرة الانتحار في "تحقيق العدالة من خلال التوزيع الجيد للثروة، فتقل الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وإعادة قِيم التراحم والمساندة والدّعم والتكافل، فتقوى شبكة الأمان الاجتماعي، فضلا عن ضرورة السّعي لإعادة القيم الإسلامية الأساسية"، مشددا على "أهمية تنمية الوعْي الثقافي لدى العامة بأمراض الإكتئاب والإنفصام والإدمان والقلق"، ومحذرا "الشباب والفتيات من تسلّل اليأس إلى نفوسهم".
المزيد من التفاصيل في سياق الحوار التالي:
swissinfo.ch: اسمح لي في البداية أن أسألك: كيف يقنع الإنسان نفسه بقرار الانتحار؟!
د. محمد المهدي: هو يعتقد أن الألم سينتهي بعد لحظة الإنتحار وأنه سيتخلص من الصراعات والألم إلى الأبد، وأحيانا يفكِّر في أن الذهاب إلى الله أفضل من البقاء بين الناس وفي ظل هذه الظروف التي يعيشها. وأحيانا، يرى أنه سبب رئيسي في آلام الآخرين، فيقرر الإنسحاب من حياتهم بهدوء، وربما يقْدُم على الإنتحار ليَشعر ظالموه بأنهم السّبب في إنهاء حياته، فتؤنبهم ضمائرهم. وأحيانا، يتردد في تنفيذ القرار، فيستخدم أساليب أقلّ خطورة: كالحبوب أو محاولة قطع الشرايين، بدلا من الشَّنق وإطلاق الرصاص والحرْق بالنار، كما أن المتردّد يرغب في تحقيق هدفه من الانتحار دون تنفيذه..
وما هي عوامل الخطورة التي تجعل الإنسان عُرضة للانتحار؟
د. محمد المهدي: هناك عوامل كثيرة تجعل الإنسان عرضة للانتحار، وكل مجتمع له عوامله الخاصة، وكل شخص له دوافعه الخاصة، ورغم أن الإيمان حاجز قوي ضدّ الانتحار، لكن حينما يختلّ التوازن بين الرّغبة في الحياة والرّغبة في الموت، يتلاشى هذا الحاجز، ويظهر ذلك في حالات الإكتئاب الشديد. كما أن هناك عوامل خطيرة مثل: المرض النفسي، وخاصة الإكتئاب الحاد والانفصام والإدمان، وتتراوح نسب الإنتحار فيها بين 15 – 18%، فضلا عن ضعف شبكة الأمان الاجتماعي، إضافة إلى أن هناك أمران على درجة عالية من الخطورة، هما: قلة الحيلة وانعدام الأمل (اليأس)، Hopelessness and Helplessness)).
ولو أردنا تطبيق المعايير الدولية على العالم العربي، سنجد أن هناك تغيرات كثيرة حدثت، جعلت العديد من الدول العربية خارج حِزام الأمان للإنتحار، وهو أقل من 10 أشخاص لكل 100 ألف من السكان، كما أن هناك حِزام الخطر للإنتحار وهو من 25 – 40 شخص لكل 100 ألف، وهو موجود في الدول الاسكندنافية وأوروبا الشرقية وألمانيا واليابان.
وأين تقع مصر بين هذين الحزامين، حزام الأمان وحزام الخطر؟
د. محمد المهدي: شهدت مصر في السنوات الأخيرة تزايدا ملحوظا في معدّلات الانتحار، حتى أصبحت ظاهرة لافتة تستحِق التوقف والدراسة. ففي عام 2009، أقدم 114 ألف مصري على الإنتحار، نفّذ 5 آلاف منهم ما أقدموا عليه، وهذه النسبة تمثل 5 أضعاف ما كانت عليه في عام 2005.
وما الذي تقرأه في حالات أو محاولات الإنتحار التي وقعت بمصر في السنوات الخمس الأخيرة؟
د. محمد المهدي: المتابع، يلحظ أنها لم تكن محاولات انتحار بقدْر ما كانت محاولات لتوصيل رسائل شكوى من المجتمع وغضب من الحكومة، التي لم تمد له يَد العوْن لحلّ مشكلته، ولم تساعده للعيش في أمان بعيدًا عن المشكلات. ويبدو هذا واضحًا من اختيار المنتحِر للمكان (جسر قصر النيل/ جسر عباس/ ميدان عام/...)، والطريقة التي أنهى بها حياته (الشنق/ الغرق/ السم/ القفز من مكان مرتفع/....)، فكلها دلالات واضحة على أنها رسائل غضب ورفض.
والمتفحص لأغلب حالات الإنتحار، يجد أن الدافع وراءها إجمالا، هو اليأس وقلة الحيلة، سواء كان ذلك بسبب البطالة المتفشِّية في المجتمع أو العنوسة، التي أصبحت ظاهرة مُقلقة للفتيات، فضلا عن الفقر، الذي ضرب بجذوره في قلب الغالبية العُظمى للشعب المصري، إضافة إلى ارتفاع الأسعار وتدني الخدمات والازدحام الشديد وارتفاع نسب التلوث، فضلا عن إهدار كرامة وآدمية الموطن.
حديثك يشير إلى أن الفقر مِن أبرز دوافع الإنتحار في العالم العربي. فلماذا تزداد هذه النِّسبة في دول الخليج العربي مثلا رغم حالة الثراء والوفرة؟
د. محمد المهدي: قُلتُ سابقًا، إن عوامل الخطورة تختلف من شخص إلى آخر ومن مجتمع إلى آخر. وفي الخليج، توجد عوامل خطورة، مُغايرة لتلك الموجودة في الدول العربية الفقيرة، فضلا عن أن الفقر هناك نِسبي، فليس الكل على درجة متساوية من الغِنى. ومن أبرز هذه العوامل: العجز عن تحقيق الرفاهية وتعاطي وانتشار المخدّرات بين الشباب والوحدة وافتقاد التواصل والتلاحم، وأيضا تغير مفهوم الأسرة. فلم يعد مرادفا للدِّفء العائلي والتواصل الحميم.
كما أن المجتمع الخليجي لم يعُد المجتمع العربي التقليدي، المعروف بترابطه وتماسكه وحسن الجوار وصلة الأرحام، أضف إلى ذلك، التطلعات العالية والأحلام المستحيلة، التي يعجز الشباب عن تحقيقها في واقعه، وكذا القِيم الدِّينية التي لم تعُد بالعُمق الكافي، حيث صارت مجرّد مظاهر وشكليات، أكثر منها واقع وحياة، ومن ثَمََّ، لم تعد دِرعا واقيا للشباب الخليجي من الإقدام على الإنتحار.
وهل هناك عوامل أخرى تُساهم في تزايُد نسبة الانتحار؟
د. محمد المهدي: بالتأكيد. فهناك عوامل اجتماعية، أخطَرها العُزلة، وهناك أيضا عوامل نفسية. فمن خلال الدراسات الاسترجاعية لتاريخ الأشخاص المنتحِرين، وجد أنه كانت لديهم تخيّلات مرضية مثل: الرّغبة في الانتقام أو القوة والسيطرة أو العقاب، والرغبة في التكفير أو التعويض أو التضحية أو العودة أو الهرب، هذا بالطبع بخلاف العوامل البيولوجية، وفي مقدمتها: الوراثة والكيمياء العصبية والإضطرابات والأمراض العضوية المزمنة والأدوية التي تؤدّي إلى حالات الإكتئاب الشديد.
وما علاقة المرض النفسي بالانتحار؟ وهل هناك دراسات في هذا الشأن؟
د. محمد المهدي: في بحث أجْرِيَ عام 1957، لدراسة حالات الانتِحار لوحظ أن 98% منهم كانوا يعانُون من أمراض نفسية أو جِسمانية، وكانت أشهر الإضطرابات المصاحبة للإنتحار، هي الإكتئاب وإدمان الكحوليات. وعندما أجري بحث تتبعي للمقارنة بين مجموعتيْن: الأولى، مصابة بأمراض نفسية مختلفة، والثانية، مصابة بأمراض جسمانية، وجد أن نسبة الإنتحار في الأولى تصل إلى 5,5%، بينما في الثانية، لم تتجاوز 0,6%.
كما أثبتت دراسة أخرى أن 15%‏ من مرضى الاكتئاب والانفصام ينتحرون وأن 17%‏ من المُدمنين يُمارسون هذا السلوك، وأن نسبة الانتحار بين مرضى الإنفصام (الشيزوفرينيا)، تصل إلى 10%، كما توجد أعراض اكتئابية لدى ثلثي مرضى الإنفصام المنتحِرين، ولهذا، يُعتبر المرض النفسي من أقوى دوافع الانتحار، وتزيد خطورة الانتحار في المرضى النفسيين من 3 - 12 مرّة، بالمقارنة بعموم الناس.
أليست هناك مظاهر ومؤشرات يُمكن من خلالها اكتشاف الراغبين في الإنتحار؟
د. محمد المهدي: بالطبع، هناك... اضطرابات النوم وفقدان الشهية‏ والحديث الدائم عن رفض الحياة وتفضيل الموت،‏ وقد ساهمت دراسات عديدة في تحديد بعض علامات الخطر، التي يمكن ملاحظتها مثل: السن (فوق 45 سنة) وتعاطي الكحوليات (يزيد 50 ضعفا عن عموم الناس) والإستثارة والغضب والعنف والقيام بمحاولات انتحارية سابقة ورفض المساعدة وطول نوبة الإكتئاب وفقد شيء غالٍ أو الافتراق عن عزيز وتراجع الحالة الصحية والبطالة والعنوسة، كما لوحظ أن المُتديِّنين، أقل انتحاراً من غير المتديِّنين.
كلامك يُوحي بأن هناك علاقة عكسية بين التديُّن والإنتحار.. فهل تعني هذا؟
د. محمد المهدي: نعم.. فقديما، كان التديُّن مانعا للإنتحار بمصر، أما اليوم، فالمجتمع يعاني من نقص الإيمان، رغم كثرة مظاهر التديُّن. وهناك أمر نرصده خلال تعامُلنا مع المرضى، ذوي الميول الانتحارية. فحين نسألهم: ما الذي منعكم من الانتحار؟ تكون الإجابة دائماً: الخوف من الله (!!)، ويبدو أن التديُّن يعطي الإنسان دعماً روحياً واجتماعياً، يجعله لا يسقط في اليأس والقنوط، ويمدّه بحالة من الرِّضى، تجعله يتقبَّل إحباطه ومعاناته بدرجه أفضل من غير المتديِّن، وهذا بالطبع راجع إلى أن التعاليم الدِّينية مليئة بالزّجر والتخويف من خِيار الانتحار.
فبدلاً من اعتباره نوعا من الراحة والخلاص في خيال المريض، يجعله التصوّر الدِّيني مصيراً مُخيفاً، حيث يخلد المنتحر في جهنّم ويُعَذّبُ بالوسيلة التي انتحر بها، وهذا التصوّر يعكِس المنظومة الانتحارية برمّتها ويغلق باب الخيار الإنتحاري ويفتح باب الأمل واسعا، وهذا الموقف الدِّيني الحاسم من مسألة قتْل النفس، له أثر كبير في خفْض معدّلات الإنتحار في الدول الإسلامية.
قلت في تفسيرك وتحليلك لمحاولات الانتحار بالعالم العربي، أنها أقرب إلى رسائل غضب من الحكومات والنظم.. فما علاقة الحكومات بالانتحار؟
د. محمد المهدي: لا شكّ أن جزءا من معاناة الناس في العالم العربي، هي من نظم الحُكم الجاثمة على صدورهم لسنوات طويلة. والمشكلة، أن الشعوب العربية تفتحَّت أعينها على العالم من حولها من خلال ثورة الإتصالات وعبْر شبكة الإنترنت، فرأت وقرأت عن شعوب غربية تعيش في أجواء من الديمقراطية الحقيقية وتمارس كافة حقوقها التي كفلتها لها القوانين والدساتير، وعندما أرادت أن تقارن بين ما تعيشه وما تسمع عنه وتراه، وجدت أنها أقرب إلى الموت منه إلى الحياة!
وعلى هذا، فالحكومات العربية ليس أمامها إلا أن ترحل وتترك الحُكم لمن يأخذه بحقّه أو أن تسعى لإجراء تغيير حقيقي يعيد الحياة إلى الناس، بدلا مما تقوم به من تكريس السلطة والثروة في يَد عدد قليل من رجال الأعمال، وهو أمر يجعل المجتمع غير مستقِر. وقد سادت العدالة في مصر، لكن في توزيع الفقر والإهانة على المواطنين وهو ما يدفع المواطن المغلوب على أمره، قليل الحيلة إلى توجيه عُدوانه إلى نفسه، فيقتلها ليخلّصها من الحياة التي تعاني فيها.
وما واجب المجتمع تجاه مَن حاولوا الانتحار من قبل؟
د. محمد المهدي: محاولات الانتحار السابقة، هي أفضل مؤشّر لمعرفة مدى خطورة الحالة. فحين ندرس المحاولات السابقة للانتحار، يجب التركيز على شيئيْن أساسيين، هما: نيّة المريض في أن يموت وجدية المحاولة التي قام بها. وقد أثبتت دراسة عِلمية أن 40% من المكتئِبين الذين انتحروا، كانت لهم محاولة سابقه للانتحار وأن 10% ممَّن قاموا بمحاولات انتحار، انتحروا فعلاً خلال السنوات العشر التالية للمحاولة.
وإذا كان المجتمع لا يملك أن يقدِّم شيئاً لأولئك الذين انتحَروا، فإنه يستطيع أن يفعل الكثير للأشخاص الذين يفكِّرون في الانتحار أو أولئك الذين أقدَموا من قبْل على محاولات انتحار، خاصة وأنه في 70% من حالات الإنتحار، كانت توجد رسائل إنذار، لكن أحداً لم ينتبِه إليها أو لم يُدرك مدى خطورتها وجديَّتها. وقد تبلغ فترة حضانة فكرة الانتحار، 3 أشهر أو أكثر.
وبعد دراسة تاريخ الحالة المرضية ودراسة عوامل التدعيم والمساندة المحيطة بالشخص والقيام بالفحوصات الطبية اللازمة، يقرر الطبيب النفسي، ما إذا كان المريض يحتاج لدخول مصحّة نفسية أو أنه سوف يعالَج من اضطراباته النفسية وسط أسرته. وفي كل الأحوال، تتلخص خطة العلاج في ثلاث نقاط، هي: تخفيف الألم النفسي بكل الوسائل والتدعيم والمساندة وتقديم بديل للإنتحار.
وما أنسب الطُّرق لتقديم الدّعم النفسي لأولئك الذين أقدَموا على الانتحار؟
الدكتور محمد المهدي: لابد أن ننتبِه جيدا لهولاء الأشخاص الذين يعيشون في مثل هذه الظروف، وأن يسألهم الطبيب النفسي المعالِج، بشكل واضح وصريح، عن أفكارهم نحو الموت، ثم يستفسِر منهم عن خُططهم للانتحار، بعدما يتعرّف بشيء من التفصيل على محاولات الانتحار السابقة، ثم يبحث مصادر التدعيم الذاتية للشخص، مثل: إنجازاته الحياتية السابقة وبصيرته ومشاعره، ثم مصادر التدعيم الاجتماعية مثل: الأسرة أو الأصدقاء أو الجمعيات الخيرية المساندة. وبناءً على ذلك، يقرر الخطوات التالية المطلوبة لمساعدة هذا الشخص.
وهنا، لابد من الاعتراف بضعف الشبكة الاجتماعية بمصر. ففي الماضي، كان الترابط الأسَري سِمة المصريين، أما اليوم، فالمرء يواجه مشاكله منفردا ولا نستطيع أن نغفل ازدياد معدّلات العنف، اللفظي أو البدني. فقد أصبحت الناس مشحونة بالغضب والاحتقان، الذي سرعان ما يخرج. فإذا توجه نحو الآخر، يحدث القتل، وهو ما يفسِّر ازدياد معدلات الجرائم. واذا توجّه ناحية النفس، يخرج في صورة انتحار.
وما هي في تقديرك وصفة (روشتة) العلاج التي يجب الأخذ بها للتخلّص من ظاهرة الانتحار؟
د. محمد المهدي: تتلخص الوصفة العلاجية في: تحقيق العدالة من خلال التوزيع الجيِّد للثروة، فتقل الفجوة بين الأغنياء والفقراء، كما يجب العمل على إعادة قيم التراحم والمساندة والدعم والتكافل، فتقوى شبكة الأمان الاجتماعي، فضلا عن ضرورة السَّعي لإعادة القِيم الإسلامية الأساسية، مثل الثقة في رحمة الله وأن ننمي الوعْي الثقافي لدى الناس بأمراض الإكتئاب والانفصام والإدمان والقلق.
وأوصي الشباب بأن لا ييأس، فمهْما أعلنت الأرقام أنه لا أمل، فإن الأمل يظل في الله، الذي ضمن لنا المُقلقين: الرزق والأجل، كما أن معظم الشباب المقبل على الإنتحار، إما ضعيف أو مستسلم أو كسول، وهي صفات أبعد ما تكون عن كلمة الشباب، التي تعتبر مرادفا للأمل، كما أهمس في أذن الفتيات اللاتي تأخّر زواجهن فأقول: إن الزواج رزق والرزق بيد الله، فلا تستسلمي لليأس والقنوط، واملئي حياتك أملا بالاجتهاد في فعل شيء نافع ومفيد، كاستكمال دراستك أو الإتجاه للتطوع في القيام بأعمال البِر في الجمعيات والمؤسسات الخيرية، التي تُعْنَى بالفقراء والأيتام والمرضى.
نقلا عن سويس انفو


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.