كتاب الصحف الحكومية وجدوا ضالتهم للهروب من الواجبات الأخلاقية في مواجهة صناع الفتنة الطائفية في مقابلة الدكتور محمد سليم العوا في قناة الجزيرة ، والتي كشف فيها عن جذور الفتنة وأسبابها الحقيقية أملا في أن يتصدى أصحاب القرار وعقلاء الوطن لعلاجها بدلا من النفاق الديني والسياسي الذي يفاقم الأزمة ويصعد من خطورتها ، جميع كتاب الحكومة الآن في صحفها ومجلاتها إذا تحدثوا عن الفتنة الطائفية استحضروا الدكتور العوا والأنبا بيشوي ، رغم أن الأزمة مشتعلة من قبل حديث العوا بشهر ونصف ، والمظاهرات في العاصمة والاسكندرية قبل أن ينطق العوا بكلمة واحدة ، والصحف تكتب والحوارات الطائفية تنشر من قبل أن ينطق العوا بكلمة واحدة ، تجاهلوا هذا كله ، واكتشفوا أن الفتنة الطائفية ولدت مع حديث العوا ، تهريج وتضليل ولعب الثلاث ورقات . وحتى كلام العوا الذي نصبوا حوله "المآتم" عن تكديس السلاح في بعض الكنائس لم يأت فيه العوا بجديد وإنما هو نص حيثيات حكم تاريخي لمحكمة القضاء الإداري الصادر بجلسة الثلاثاء الموافق 12/4/1983م في الدعوى القضائية رقم 934 لسنة 36 قضائية ، وهي حيثيات طويلة ومفصلة عما ثبت لدى المحكمة من سلوكيات غير مشروعة من البابا شنودة ومنها ما قالت فيه المحكمة بالحرف الواحد (وسرب الشائعات عن تكاثر أعمال التعدي على المسيحيين في مصر للتشكيك في استقرار البلاد وإثارة الرأي العام العالمي لتشويه سمعة مصر في الخارج وحرض أبناء الطائفة على تخزين الأسلحة) . بعض من كتبوا راحوا يتلفعون بعباءة الحكماء الذين يطالبون بوقف الصحف والفضائيات التي تتصدى لملف الأزمة ، وهم كمن طالبوا بعلاج من يقول للمريض أنه مريض بدلا من أن يطالبوا بمعالجة المريض نفسه ، وأحدهم كتب أمس في افتتاحية صحيفته الحكومية يطالب بإضافة من يكتب عن الأزمة الطائفية إلى قانون مكافحة الإرهاب ، رغم أنه قال في السطر نفسه أن من ينفخون في الفتنة لا يتجاوزون عدد أصابع اليد الواحدة ، يعني خمسة أشخاص أو أقل حسب افتراضه ، وهذه أول مرة أسمع فيها أن قانونا يتم إصداره من أجل ثلاثة أو أربعة أو خمسة أشخاص ، وفي يقيني أنه كتب ما كتب دون أن يعي معناه ، مجرد رص كلام ، لتخليص نفسه وإبراء ذمته في أنه أدى ما عليه تجاه الأزمة ، ولوبي التوريث نشط في الأسبوع الأخير من أجل وقف النشر عن الأزمات الطائفية الحالية ، لأن استمرار النشر يخشى منه أن يصل إلى منبع الأزمة الحقيقي في السنوات العشر الأخيرة ، وهو التحالف غير الشريف بين كهنة لوبي التوريث وبين كهنة الكنيسة الأرثوذكسية ، وهو الذي أدى إلى صدور قرارات غير رسمية بالخضوع لتوجيهات القادة المتطرفين للكنيسة في كل مطالبهم الطائفية ، من أول الاستيلاء على أراضي الدولة بآلاف الأفدنة في الساحل الشمالي والصعيد والبحر الأحمر وغيرها ، وصولا إلى قرارات تسليم مواطنين مصريين إلى الكهنة لاعتقالهم وإخضاعهم للإكراه البدني والعصبي والديني لإجبارهم على العودة إلى المسيحية بعد أن أعلنوا خروجهم منها ، وذلك بالمخالفة للقانون والدستور والأخلاق وأبسط مبادئ حقوق الإنسان . وعبثا أن تسأل هؤلاء "الحكماء" عن موقف الصحافة عندما يخطئ رجل بحجم البابا شنودة ويقول علنا أمام وكالات الأنباء بأن المسيحيين مضطهدون في مصر وأنهم محاصرون في الوظائف وأنهم لا يعطون أي حقوق في النقابات العامة أو البرلمان أو المناصب الرسمية أو أن يقول بأن الدولة تضطهد المسيحيين في بناء دور عبادتهم ، وبعد ذلك مطلوب من الصحافة "الوطنية" أن تصمت على كلامه ، وإذا ردت عليه أو فندت كلامه كانت صحافة "طائفية" وغير عقلانية وغير حكيمة !! ، ماذا تفعل الصحافة عندما ترى كبار كهنة الكنيسة يهددون كبار المسؤولين في الدولة بالعزل ويقول أحدهم لممثل رئيس الجمهورية المحافظ بأنه "يا أنا يا أنت في المحافظة" ، ومطلوب من الصحافة "الوطنية" أن تغمض عينيها وتصم أذنيها تأدبا مع الكاهن واحتراما للكنيسة ، ماذا تفعل الصحافة عندما ترى مواطنا أو مواطنة مصرية يتم اختطافها من قبل أجهزة أمنية بالمخالفة للقانون والدستور ويتم تسليمها إلى الكهنة لاحتجازها وسجنها في أماكن خاصة بالكنيسة ، وهو ما يجرمه القانون والدستور في أكثر من نص واضح وضوح الشمس في كبد السماء ، ومطلوب من الصحافة "الوطنية" أن تصمت وتدفن رأسها في الرمال ولا تعلق أو تنشر ، ولو فعلت فإنها هي وليس من خرقوا القانون والدستور ستكون متهمة بالتورط في الفتنة الطائفية . ماذا تصنع الصحافة وهي تجد الكهنة في مدن الجمهورية يحشدون الشباب القبطي بالمئات في الشاحنات والحافلات من أجل التظاهر الطائفي ولي ذراع أي مسؤول وتهديد الدولة والوطن بالحرق إذا لم يتم الاستجابة لمطالبهم أيا كان نوعها مع الهتافات البذيئة والاستنجاد العلني بأعداء الوطن ، في ظل حماية ورعاية وطبطبة حانية من أجهزة الأمن ، وإذا علقت الصحافة أو حذرت من تلك التجاوزات فإنها تكون "مجرمة" وتحرض على الفتنة ، وليس من حشدوا تلك الحشود الطائفية ، ماذا تفعل الصحافة وهي ترى البابا شنودة يصدم الرأي العام بمحاولته الفجة التأثير على مسار انتقال السلطة في مصر بإعلانه تأييده لجمال مبارك وريثا للحكم في مصر وأنه لا يجد في مصر "رجلا" آخر غير جمال مبارك يصلح للحكم وأن الكنيسة لا تثق إلا في جمال مبارك ، ثم يحشد كهنته في أكثر من موقف لإعلان تأييدها لجمال مبارك رغم أن هذا إقحام خطير للمؤسسة الدينية المسيحية في معترك السياسة وجدلها المتوتر للغاية هذه الأيام ، وإذا عقبت الصحافة أو ناقشت أبعاد هذا "التبجح" الكنسي وصفت بأنها صحافة طائفية أو ضد الوحدة الوطنية ، ماذا تفعل الصحافة وهي ترى أكبر رأس في الكنيسة يروج في كتب مطبوعة وكلام علني أمام الجميع وفي مؤتمر حاشد طعنه في القرآن الكريم واتهام بعض آياته بأنها مزورة ، وإذا تكلمت الصحافة أو علقت أو فضحت "الجريمة" تصبح الصحافة متهمة بأنها طائفية ، وأنها هي وليس كهنة التطرف التي تهدد الوحدة الوطنية . هذه باختصار هي معالم اللوحة العبثية المضللة التي تحاول صناعتها الآن أقلام صحافة كهنة التوريث في مصر ، وهي كلها أكاذيب مأجورة نضعها تحت نعالنا ، ثم خلف ظهورنا ، في مسيرتنا الأخلاقية من أجل تطهير جسم الوطن من "دمامل الفتنة" وكشف رؤوسها المتعجرفة ، رائدنا هو ولاؤنا للوطن نفسه وليس لأي شخص فيه مهما علا ، وعشقنا لهذا الوطن وليس لأي مغنم فيه أو منصب أو مكانة ، وراعينا هو ضميرنا الوطني والديني ، وإن كره الكارهون . [email protected]