في أوائل شهر اكتوبر عام 2009، عقدت الكنيسة الأرثوذكسية مؤتمر "تثبيت العقيدة" وخصته لما وصفته ب"محاولات الغزو الطائفى.. أنواعه أبعاده وكيف نواجهه؟". العنوان على هذا النحو كان يحمل "هواجس" و"قلقا" على عقيدة الأرثوذكس المصريين، ما يعني أن ثمة تهديد حقيقي لها، من "طوائف" أخرى، لم يكن محض "أماني" أو "تكهنات" وإنما حقائق وأرقام "مفزعة" ظلت الكنيسة تخفيها من سنوات، ولم تستطع الرد على تقديرات البابا مكسيموس الذي قدر المتحولين من الأثوذكسية إلى طوائف وملل وأديان أخرى بنحو 50 ألف شخص سنويا. والحال أن هذه الظاهرة، لم تكن موجودة قبل الانقلاب الذي قادة "الشنوديون" على تقاليد الكنيسة المصرية السمحة وعلى الفكر الوسطي المعتدل عام 1972، الذي ظل أكثر نسخ المسيحية الشرقية "رحمة" بأتباعها سيما مع تقنينها على مستوى الأحوال الاجتماعية لائحة 38.. تلك المظلة الكنسية التي عصمت المئات من الأسر والعائلات المسيحية المصرية من الوقوع في "أزمات أخلاقية".. عادت اليوم لتعصف بالأرثوذكس وتحيلهم إلى محض "كائنات مستسلمة" ل"إرادة الكنيسة" وتنتظر "كلمة السماء" الأخيرة لتضع حدا لآلام أكثر من 300 ألف أسرة مسيحية تعيسة، وذلك بحسب تقديرات الباحثة القبطية "كريمة كمال" في كتابها "طلاق الأقباط" الصادر عن دار "ميريت" للطبع والنشر. لم ينس الأقباط ليلة تحول الأنبا دانيال البراموسي ومعه أكثر من 10 آلاف أرثوذكسي إلى الإنجلية عام 1994.. ولم تتعظ القيادة الكنسية من هذا الانهيار الكبير في الكنسية الوطنية المصرية، رغم أن أسبابه لم تعد خافية عن المتخصصين في الشأن القبطي، حيث باتت إحدى تجليات الاهتمام التيار "الشنودي" بالمسيحية "كهوية" بديلة عن "الهوية" العربية والإسلامية لمصر وتطورها لكي تكون "جنسية" بديلة ل"المصري المسيحي" موازية لجنسية "المصري المسلم" في إطار حركة "التنصير الحضاري" التي بدأت تخرج من أدراج الكنيسة السرية إلى العلن وبلا أية اعتبارات "أخلاقية" تراعي مشاعر الأغلبية المسلمة. الكنيسة مشغولة بصراعها مع المجتمع خارجها.. فيما تركت "العقيدة" مستباحة للطوائف الأخرى يتلاعبون بها ويحملون يوميا ما لذ وطاب من الشباب الأرثوذكسي وتحويلهم إلى ملل وطوائف وأديان أخرى. الكارثة بلغت حد اعتراف الأنبا بيشوي نفسه في كلمته العنيفة الغاضبة التي ألقاها يوم 1 أكتوبر 2009 في مؤتمر تثبيت العقيدة، بأن عددا من الكهنة تحول فعلا إلى أديان أخرى.. وأحال بعضهم إلى محاكمات كنسية لحضوره جنازات أتباع المسيحية البروتستانتية.. ووصف كنيسة المقطم الإنجلية بالوكر المتربص بكنيسته الأرثوذكسية.! في ذلك اليوم بكي بيشوي على تآكل كنيسته.. فيما كان هو أحد أبرز قيادات الشنودية المتشددة التي شاركت في إشغال الكنيسة ب"صراع الهويات" مع الدولة.. وترك شبابها بلا أية حماية من "الاختراق الطائفي" على حد تعبيره! والنتيجة باتت أمام عينيه أكثر من مفزعة.. والمشكلة لا تتحملها الكنيسة وحدها وإنما الدولة بكاملها، حين تتعمد الأولى تصدير مشاكلها واشغال الرأي العام القبطي لإخفاء حقيقة الأوضاع داخلها، وذلك بمشاغبة الرأي العام المسلم واستفزازه والدفع بالأقباط في الاشتباك معه حتى لا يفيقون على الحقيقة المرة ويعرفون ما آلت إليه كنيستهم في ظل فرض التيار المتشدد قبضته الحديدية على مقاليدها. [email protected]