جاءت معظم التعاليق على مقالنا السابق الذي تناول موضوع إعارة أعضاء هيئة التدريس عاصفة، غاضبة مستنكرة. وقد أرجعت السبب إلى تلك العاصفة وذلك الغضب وذلك الاستنكار إلى إخفاقي في توصيل ما أردت توصيله إلى القارئ. أعدت قراءة المقال فوجدته في خطه العام دعوة إلى عدم التفريط فيما تبقى في مصر من ثروة بشرية غالية الثمن، بعد أن بعثرت وبددت كل ثرواتها، الظاهر منها والمخبوء. وأشد ما يحزنني الفوضى القائمة في التعامل مع علمائنا الذين انفقت الدولة عليهم من سعة. ولهذه الفوضى صور شتى... هى صور متفرقة مشتتة. ولعل تفرقها وتشتتها يخفف كثيرا من وقعها، ولكن إذا جمعنا هذه الصور في مجلة حفظ (ألبوم) لعرفنا كم يغلب على تصرفنا البلاهة والعته، فلا أعرف دولة تصنع صنيعنا. والآن نستعرض بعضا من صور الفوضى... صورة توضح ما تتخذه بعض الجامعات من قرارات عشوائية تسمح بالإعارة الداخلية والخارجية بلا ضوابط. وصورة توضح تعجل بعض العائدين من بعثاتهم للإعارة، وكأن الدولة كانت تعده لتهديه إلى دولة أخرى. والتغاضي عن عقود عمل مزيفة للزوج لتصبح المرافقة حق واجب الأداء، صورة ثالثة. ولعل من أبشع الصور السماح بالاستمرار في الإعارة لمدة عشر سنوات كفيلة باستهلاك الجهد والطاقة، وكأن البلد تريد أن تتخلص من أبنائها العلماء، هذا فضلا عما تنطوي عليه الإعارة طويلة الأمد من أنانية وحجب فرص عن آخرين. وفي مقابل هذه الصورة صورة أخرى تبين التساهل مع بعض المبعوثين في مقار بعثاتهم، إذ يمدد لهم السنة تلو الأخرى دون مبرر. يبقى بعد ذلك المساومة التي تمارسها مكاتب التعاقد في مصر ومحاولات التقليل من قدر علمائنا. الأمثلة كثيرة ولا تتسع المساحة لذكرها، وأنا على يقين أن غالبية القراء يتفهمون ما أقوله ويعرفونه جيدا. ألمني بالفعل أن يكون من بين التعاليق حديث عن الحقد، ولست أدري حقد من على من، وحديث يحسبني لائما مقرعا طالبي الإعارة. وأود التأكيد على أنه لا لوم على طالب الإعارة في توقيتها الصحيح ووفقا لأدبياتها القائمة الآن، أما اللوم فلا مندوحة عنه لمن يطلبها قبل أن يربت على كتف أمه مصر وأن يطيب خاطرها ويطمئنها بأن حقها محفوظ مصان وأنه جاهز للوفاء به. ورغم كل ما سبق فقد التمست العذر للمتعجلين وطالبت ليس برفع المرتبات فحسب وأنما بجعلها متوائمة دوما مع الظروف المحيطة. الإعارة يا سادة يجب أن ترشد، بمعنى أن تتم عبر المجلس الأعلى للجامعات أو وزارة التعليم العالي ووفقا لضوابط تحفظ للعضو كرامته وتحقق العدالة بين الجميع وأن تجلب النفع العام والخاص. أما أن تترك كما هى عليه الأن فهذا هو السفه وسوء التصرف ومن بعده سوء العاقبة.