اليوم.. انتهاء العمل بمكتب تنسيق القبول بجامعة الأزهر وغلق تسجيل الرغبات    تراجع في 3 بنوك.. سعر الدولار اليوم ببداية تعاملات الثلاثاء    711 يومًا على الحرب.. عشرات الشهداء والجرحى وتدمير منازل وغارات بقطاع غزة    إصابة 5 أشخاص في انقلاب سيارة بطريق «رأس غارب- المنيا»    وزير خارجية أمريكا: الحرب في غزة طالت وعلى حماس إطلاق سراح الأسرى أحياء وأمواتا فورا    بحضور مدبولي، "التعليم العالي" تفتتح اليوم الأكاديمية الدولية للعمارة والتنمية الحضرية    نقل الأسرى فوق الأرض.. ترامب يتحدث من جديد عن قطر ويحذر حماس "فيديو"    مستشار وزير المالية: ندرس طرح تشغيل عدد من المطارات للقطاع الخاص    حبس أجنبي لقيامة بالتحرش بسيدة في المعادي    لفتة إنسانية.. محافظ القليوبية ينقذ مسن ويوفير الرعاية الكاملة له    متحف سيد درويش ومناشدة لوزير الثقافة    إنقاذ حياة طفل مصاب بنزيف في المخ وكسر بالجمجة بمستشفى إيتاي البارود    رئيس لجنة مكافحة كورونا: هناك انتشار للفيروسات النفسية لكنها لا تمثل خطورة    بعد فشل النحاس في لملمة الجراح، قناة الأهلي تفجر مفاجأة حول المدرب الجديد (فيديو)    بعد 4 أشهر من حكم محكمة النقض، تحرك جديد من دفاع "حبيبة الشماع" ضد "أوبر" العالمية    عشية بحث سعر الفائدة، تعيين مستشار لترامب عضوا بالاحتياطي الفيدرالي وبقاء ليزا كوك في منصبها    قلبك يدفع الثمن، تحذير خطير من النوم 6 ساعات فقط كل ليلة    بسبب مباراة إنبي.. عماد النحاس يطيح بثنائي الأهلي من التشكيل الأساسي    وزير العمل يُصدر قرارًا لتحديد ضوابط وآليات اعتماد «الاستقالات العمالية»    قرارات التعليم بشأن الكتب المدرسية 2025.. تسليم دون ربط بالمصروفات (تفاصيل)    خالد جلال وكشف حساب    قبل أيام من بدء العام الدراسي.. تفاصيل قرارات وزارة التعليم (نظام الإعدادية الجديد وموقف التربية الدينية)    «سويلم» لمجموعة البنك الدولي: «سياسات حديثة لمنظومة الري»    رسمياً موعد صرف مرتبات شهر سبتمبر 2025 للمعلمين.. هل يتم الصرف قبل بدء الدراسة؟ (تفاصيل)    ارتفاع سهم تسلا بعد شراء ماسك 2.5 مليون سهم بمليار دولار    ضياء رشوان: الرئيس السيسي وصف إسرائيل بالعدو لأول مرة منذ زيارة السادات للقدس    إبراهيم صلاح: فيريرا كسب ثقة جماهير الزمالك بعد التوقف    أهمها الثلاجات والميكروويف.. 6 عوامل رئيسية تُساعد على ضعف شبكة الإنترنت في المنزل    ترامب يقترح توسيع الضربات ضد مهربي المخدرات من البحر إلى البر    عاجل القناة 12: إجلاء 320 ألفًا من سكان غزة يفتح الطريق أمام بدء العملية البرية    أول رد رسمي من بيراميدز على مفاوضات الأهلي مع ماييلي    مسلسلات المتحدة تتصدر نتائج تقييم موسم 2025 باستفتاء نقابة المهن السينمائية.. تصدر "لام شمسية" و"أولاد الشمس" و"قهوة المحطة" و"قلبى ومفتاحه" و"ظلم المصطبة".. كريم الشناوى أفضل مخرج وسعدى جوهر أفضل شركة إنتاج    صور.. حفلة تخريج دفعة بكالوريوس 2025 الدراسات العليا تجارة القاهرة بالشيخ زايد    "النقل العام" تشارك في نقل السائحين داخل منطقة الأهرامات - تفاصيل    لقاء تاريخي في البيت الأبيض يجمع البطريرك برثلماوس بالرئيس الأمريكي ترامب    تحية العلم يوميًا وصيانة شاملة.. تعليمات جديدة لضبط مدارس الجيزة    ليت الزمان يعود يومًا.. النجوم يعودون للطفولة والشباب ب الذكاء الاصطناعي    أمين الفتوى بدار الإفتاء: الكلب طاهر.. وغسل الإناء الذي ولغ فيه أمر تعبدي    فيديو أهداف مباراة إسبانيول و مايوركا في الدوري الإسباني الممتاز ( فيديو)    بسبب المال.. أنهى حياة زوجته في العبور وهرب    أبرزها استبدل البطارية.. 8 خطوات سهلة تجعل جهاز آيفون القديم جديدًا    الاحتلال يكثف غاراته على مدينة غزة    سعر الدواجن والفراخ البيضاء والبلدى وكرتونة البيض بالاسواق اليوم الثلاثاء 16 سبتمبر 2025    الشيبي: نريد دخول التاريخ.. وهدفنا مواجهة باريس سان جيرمان في نهائي الإنتركونتيننتال    مسيحيون فلسطينيون في مؤتمر أمريكي يطالبون بإنهاء حرب غزة ومواجهة الصهيونية المسيحية    اكتشاف أول حالة إصابة ب إنفلونزا الطيور في الولايات المتحدة    مهرجان الجونة السينمائي يكشف اليوم تفاصيل دورته الثامنة في مؤتمر صحفي    الوقت ليس مناسب للتنازلات.. حظ برج الدلو اليوم 16 سبتمبر    الدكتور محمد على إبراهيم أستاذ الاقتصاد بالأكاديمية العربية للنقل البحري ل«المصري اليوم»: سياسات الصندوق جوهرها الخفض الخبيث للعملة وبيع الأصول العامة بأسعار رخيصة (الحلقة الخامسة)    الاحتلال يكثف غاراته على مدينة غزة    سيطرة مصرية في ختام دور ال16 ببطولة مصر المفتوحة للإسكواش    تحذير شديد بشأن حالة الطقس اليوم.. والأرصاد تُناشد: «حافظوا على سلامتكم»    قبل كأس العالم.. أسامة نبيه يحدد برنامج معسكر منتخب الشباب في تشيلي    تحذير من تناول «عقار شائع» يعطل العملية.. علماء يكشفون آلية المخ لتنقية نفسه    شيخ الأزهر: مستعدون للتعاون في إعداد برامج إعلامية لربط النشء والشباب بكتاب الله تعالى    أستاذ بالأزهر يحذر من ارتكاب الحرام بحجة توفير المال للأهل والأولاد    ما حكم أخذ قرض لتجهيز ابنتي للزواج؟.. أمين الفتوى يوضح رأي الشرع    كيفية قضاء الصلوات الفائتة وهل تجزئ عنها النوافل.. 6 أحكام مهمة يكشف عنها الأزهر للفتوى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مع بيجوفيتش فى ثنائيته التكاملية[4]
نشر في المصريون يوم 06 - 09 - 2010

لعلى عزت بيجوفيتش أفكار دقيقة وعميقة تستحق منا كثيرا من التأمّل، لأنها تعمّق فهمنا للحياة والإنسان والمجتمعات، نستعرض بعضها فى عُجالة ..منها:
(1)المجتمع والجماعة: فهو يميز بين المصطلحين، حيث يرى أن العلاقات في المجتمع تَقُوم على المصالح المادِّيَّة وتبادلها؛ فالمجتمع من هذه الناحية ضرورة حياة ، ولكن المصطلح الإسلامي للتجمُّعات الإنسانية مختلف حيث يعبرعن هذه التجمعات بمصطلح [الجماعة]، هذه الجماعة تُمَثِّلُ الناحية الروحية الجوانية للعلاقات الإنسانية، وقد يُؤْخَذ من هذا أن بيجوفيتش يَرْفُضُ المجتمع ، وليس هذا بصحيح إنما أراد أن يُوَضِّحَ لنا أنَّ هذا المصطلح الغربي للمجتمعات الإنسانية ينطوي على كيان مادّيّ فحسب متغافلا عن الجوّانية الجوهرية لهذه التجمُّعات، فهى التى تَحْتَضِنُ روح الإنسان ومشاعره وهويته الحقيقية .. وفي هذا يقول : "يجب أن نُفَرِّقَ بين المجتمع الذي هو مجموعة برانية من الأفراد تَجَمَّعُوا على أساس من المصلحة وبين الجماعة التي هي مجموعة جُوّانية من الناس اجتمعوا على أساس من الشعور بالانتماء .. المجتمع قائمٌ على المطالب المادِّيَّة والجماعة قائمة على المطالب والأشواق الروحية.. الناس في المجتمع أعضاء مجهولون تَجْمَعُهم المصلحة وتُفَرِّقُهم ، وفي الجماعة يكون الناس أخوة تجمعهم أفكار واحدة كما تَجْمَعُهم الثقة فى بعضهم لبعض .. وباختصار: شعورهم بأنهم ينتمون إلى كيان روحي واحد .. يُوجِدُ المجتمع لأنه يُسَهِّلُ لنا الحصول على المنافع ويَضْمَنُ بقاءنا .. فالطفل لا يُمْكِنُه البقاء بدون مساعدة الآخرين .. والكبير لا يستطيع العيش بدون مَعِيَّة الآخرين ، وهذا هو مصدر قيام المجتمع بمعناه البراني.. ولذا يمكننا أن تَسْتَخْلِصَ من هذا أن طموحات الإنسان للحياة في مجتمع لا تنبع من وجوده الحقيقي وإنما من الضرورة.. فالسعي إلى المشاركة في مجتمع لا يتمُّ من ناحية الاعتبارات الجوهرية في الإنسان وإنما من أَجْلِ المنافع التي يُوَفِّرُها المجتمع .. تَحْكُمُ المجتمع قوانين البقاء للأصلح .. قوانين التبعية والاستغلال.. أو على أحسن الفروض القوانين التي تَسْمَحُ بالمشاركة في المصالح .. لكن الجماعة وحدها هي التي تَعرفُ العدالة والتكافل والتضامن والأخوة...ولقد نَشَأَ كثيرٌ من سُوءِ الفهم نتيجة الخلط بين مفهومي المجتمع والجماعة.."
(2) الأتباع والهراطقة : يصوّر بيجوفيتش الأتباع تصويرا بليغا دقيقا حيث يقول: " يوجد نوعٌ من الناس يُعْجَبُون بالسلطة القويَّة القاهرة، يُحِبُّون النظام ويعشقون التنظيم الخارجي الذي يُشْبِه تنظيمَ الجيش ، حيث يكون معروفًا مَنْ يُعْطِي الأوامر ومَنْ يطيعها، ومن أبرز سمات هؤلاء أنهم يُحِبُّون المناطق الجديدة التي أُلْحِقَت بالمدن ، حيث تُقَام المنازل متشابهة في صفوف متراصة ذات واجهات موحَّدة، ويحبون الزي الرسمي الموحَّد وفِرَقَ موسيقى الجيش والاستعراضات والمهرجانات، وغيرها من الأكاذيب التي تُزَيِّنُ وَجْهَ الحياة وتجعلها أكثر قبولاً .. هؤلاءِ الناس يتمتعون بعقلية الأتباع .. إنهم ببساطة يعشقون التبعية.. ومن علامات هذا العشق أنهم يُحبُّون الأمن والنظام والمؤسسات والثناء من رؤسائهم [ ومن ذلك الطبطبة على الظهور].. وهم مُخْلِصُون[لأى سلطة] مسالمون أوفياء .. وباختصار يُحِبُّ هؤلاء الأتباعُ أن تكونَ عليهم سلطة ويُحِبُّ أصحاب السلطة أن يكونَ لهم أتباع، فالجميع متوافقون [السلطة والأتباع] كأنهم أجزاء من كل واحد، يتنافس الأتباع فى التصفيق للسلطة، وتتقبّل السلطة تصفيقهم بسعادة وترحاب..."
هذا الطراز من البشر أكثرهم من الغوغاء الذين تعطّلت عقولهم وسيطرت عليهم
الغرائز، ومن المنافقين الذين تعطّلت ضمائرهم، وتضخّمت ذواتهم وقد تعلّقوا بقطار السلطة أينما اتجه.. اكتسبوا وجوها كثيرة ولبسوا لكل موقف قناعه ألخاص.. هؤلاء وأولئك جميعا هم الذين أشار إليهم القرآن فى قصة فرعون الذى استخفّ قومه فأطاعوه، فلما أطاعوه مضى بهم خطوات أبعد فى طريق الاستخفاف والتضليل، فألغى حقهم فى حرية الاختياروحرية الرأي، قال لهم { ما أُريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد}، ثم صعّد مزاعمه لهم فأمرهم بعبادته واتخاذه إلهً معبودًا، مُدَلّلاً على ألوهيته بعظم جاهه و شمول سلطانه عليهم قال فرعون: {يأيها الملأ ماعلمت لكم من إلهٍ غيرى}، وفى موقع آخر{ونادى فرعون قومه قال: ياقوم أليس لى ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتى أفلا تبصرون} ...؟.. ولم يتنبه الأغبياء الغافلون أن سلطانه هذا مستمد من تبعيتهم الطوعية ومن تهاونهم فى حقوقهم وتنازلهم عن جوهر إنسانيتهم وحريتهم .. فكان نصيبهم من الحياة الانسحاق.. إنهما وجهان لعُمْلةٍ واحدة: الوجه الأول منها هو الانسحاق والهوان، والوجه الآخر هو الفرعونية الطاغية...
ثم تأتى التجربة القرآنية لتحطم هذا الوهم الهائل وتضع سطوة فرعون المروعة على المحك عندما تصطدم إرادته مع إرادة فئة قليلة من الناس آمنت بالإله الحق وتبيّن لها زيف فرعون وزيف ألوهيته فلم تعبأ بسطوته وتهديده .. أولئك هم سحرة فرعون الذين تحولوا إلى دين موسى وأيقنوا أنه لا إله إلا الله، يقول لهم فرعون مهدّدا: آمنتم له قبل أن آذن لكم...؟! فهذا الطاغية يستنكر أن يكون لهم حرية اختيار مستقلة عن إرادته، فلا يصح لهم أن يعتنقوا دينا آخر غير دينه.. أليس هذا ما يفعله اليوم قساوسة الكنيسة فى كل من اختار بحريته ومحض إرادته اعتناق الإسلام من المسيحيين نساء كانوا أو رجالا...؟! إنها الفرعونية تجرى فى عروقهم بعد ن تخلوا عن الدين الحقيقي للمسيح عليه السلام، وحرّفوا كلماته..فتحول على أيديهم إلى دين للحقد والكراهية والاستبداد بعد أن كا دين الحب والتسامح...!
أراد الفرعون أن يثني القلة المتمردة عن موقفهم ويعيدهم قهرا إلى دينه وعبوديته فهدّدهم بتقطيع أطرافهم وصلبهم حتى الموت فلم يعبأوا بتهديده و ثبتوا على إيمانهم .. وبدل أن يستخفهم استخفوا به وبسلطانه وسطوته، لقد سقطت هالة القداسة والسلطان عن الفرعون فى نفس اللحظة التى سقطت عن أعينهم غشاوة الجهل وانزاح عنها غطاء التبعية والهوان الذى صنتعه الخرافة والوهم .. أنظر إلى هذا السيناريو القرآني الرائع، وتأمّل مدقّقًا فى هذا الصدام المذهل بين القلة المؤمنة على ظاهر ضعفها وبين الفرعون الطاغية الذى كان يظن أن مصائر البشر معلقة بإشارة من إصبعه: {قال آمنتم لهُ قبل أن آذن لكم،إنه لكبيركم الذى علّمكم السحر، فلأقطّعنّ أيديكم وأرجلكم من خلآف، ولأُصلّبنّكم فى جذوع النخل، ولتعلمنّ أيّنا أشدعذابا وأبقى...} فماذا كانت استجابة القلة المؤمنة وقد أحيط بهم: {قالوا لن نؤثرك على ماجاءنا من البينات، والذى فطرنا، فاقض ما أنت قاض، إنما تقضى هذه لحياة الدنيا، إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهْتنا عليه من السحر، والله خير وأبقى... ا}.
إن المعارضة الحقيقية المتمردة والمقاومة المستميتة المستعصية دائما تأتى من القلة المؤمنة.. وهؤلاء كُتِب عليهم الشقاء واللعنة فهم الهراطقة فى نظر أصحاب السلطة الجائرة، يصفهم بيجوفيتش بحق فيقول: " من ناحيةٍ أخرى يوجدُ أناسٌ أشقياءُ ملعونون ، في ثورة دائمة ضد شيء ما ، يتطلعون إلى شيء جديدٍ على الدوام ، إنهم قليلاً ما يتحدَّثُون عن الخبزِ ولكنهم يتحدَّثُون عن الحُرِّيَّة كثيرًا .. قليلاً ما يتحدَّثون عن الأمن السلامِ ، و لكنهم يتحدثون عن الشخصية الإنسانية كثيرًا ، ولا يَقْبَلُون فكرةَ أن الملك هو الذي يطعمهم أو يرزقهم أو يَمْنَحُهم مُرَتَّبَاتهم ، وإنما على العكس يرون أنهم هم الذين يُطْعِمُون الملك.. يقول بيجوفيتش: "هؤلاء هم الهراطقة الخارجون المعارضون الذين لا يُحبُّون السلطةَ ولا تُحِبُّهم السلطة.." حتى فى الأديان: الناس عند بيجوفيتش صنفان متمايزان، وفى ذلك يقول: " في الأديان يُوَفَّر الأتباعُ الأشخاصَ والسلطاتِ والأوثان، أما عشَّاقُ الحُرِّيَّة المتمرِّدُون فإنهم يُمَجِّدُونَ الله وحده فَحَسْب.."
(3)الحوار ونبذ العنف: لفت نظرى مقالة للكاتب حسن الطرابلسى ضمّنها نتائج دراسته لفلسفة بيجوفيتش فى (الوحدة ثنائية القطب) حيث اعتبرها تأسيسا للحوار ونبذ العنف بين أصحاب الثقافات المختلفة .. كما تنبه الكاتب الذكي إلى أهمية مؤسسة الأوقاف فى الحضارة الإسلامية حيث يرى أن الأوقاف كانت عملية خالية من العنف والتخريب مقارنة بالثورة الشيوعية التى كرست العنف وحرب الطبقات، بعكس مؤسسة الوقْف التى كانت ثورة سلمية هادئة وعميقة الجذور فى إعادة توزيع الثروة توزيعا عادلا والقضاء على الفقر .. ويستنتج الكاتب من هذه الحقائق وغيرها أن نظرية بيجوفيتش تثبت أن المسلم لا يمكن أن يكون إرهابيا أو متطرّفا..
وباعتباره هو مسلما مقيما فى الغرب يؤكد أن ثنائية بيجوفيتش التكاملية تجعل الإسلام أكثر الأديان قدرة على التعايش مع الآخر والقبول به، فالثنائية عند بيجوفتش هي نوع من الحياة الإنسانية السامية، تتكامل فيها الثقافة والحضارة، وتعصم من الإلحاد والتطرف، لأن الإسلام يصنع إتساقا بين الإنسان ومجتمعه، وهذه الخاصية تجعل المسلمين أكثر أندماجا في المجتمعات التي يحلّون بها، ويجعل المسلم منفتحا على الآخر مستعدا للحوار معه.
(4) التسليم لله : بعد هذه الرحلة فى أفكار على عزت بيجوفيتش أشعر دائما برغبة أن أختم معه بتسبيحة روحية ختم بها كتابه ( الإسلام بين الشّرق والغرب) يقول: "للطبيعة حتميةٌ تَحْكُمُها ، وللإنسان قَدَرُه ، والتسليم بهذا القَدَرِ هو الفكرة النهائية العليا للإسلام .." ثم يتساءل: " هل القَدَرُ موجود .. وأي شَكْلٍ يتخذ ...؟ دعنا ننظر في حياتنا لنرى ماذا تَبَقَّى من خُطَطِنا العزيزة على أنفسنا.. وما بَقِّي من أحلام شبابنا..؟ .. ألم نأتِ إلى هذا العالم بلا حول لنا ولا قوة..؟ ثم واجهنا تركيبتنا الشخصية ، ومُنِحْنَا قدرًا من الذكاء قَلَّ أو كَثُرَ ، وملامح جذابة أو مُنَفِّرة ، وتركيبة بدنية رياضية أو قزمية..؟، ونشأنا في قَصْرٍ مَلِكٍ أو كوخ شحَّاذٍ .. في أوقات عصيبة أو زمن سلام .. تحت سلطان طاغية جبار أو أمير نبيل..؟ وفي ظروف جغرافية وتاريخية لم يتمّ استشارتنا بشأنها...؟! .. كم هي محدودة تلك التي نسميها إرادتنا .. وكم هو هائل وغير محدود قَدَرُنَا...! "
"لقد وُضِعَ الإنسان في هذا العالم وقُدِّرَ له أن يعتمدَ في وجوده على كثير من الحقائق التي لا يملك عليها سلطانًا ، وتتأثر حياته بعوامل قريبة منه وعوامل أخرى نائية عنه أكثر مما يتخيل .. وكلما تَمَتْ معرفتنا عن العالم تزايد إدراكنا بأننا لا يُمْكِنُ أن تَكُونَ أسياد مصائرنا كما نحلم.. حتى مع افتراضِ أعظم تقدُّمٍ ممكن للعلم ، فإن مقدار ما سيكون تحت سيطرتنا من عوامل لا يساوي شيئًا إذا قُورِنَ بالكمِّ الهائل من العوامل الخارجة عن هذه السيطرة .." ثم ينتقل إلى نقطة حاسمة:
"يجتهد الإسلام في تنظيم هذا العالم عن طريق التنشئة والتعليم والقوانين التي شَرَعها الله ، وهذا هو مجاله المحدود أما مجاله الرحيب فهو التسليم لله .."
"العدالة الفردية لا يمكنُ أن تكون كافية في إطار هذا الوجود المحدود ، إننا قد نتبعُ جميعَ القواعد والتعاليم الإسلامية التي من شأنها أن تَمْنَحَنَا السعادة في الدارين: الدنيا والآخرة ، وقد نضيفُ إلى ذلك اتخاذَ جميع الإجراءات الطبية والاجتماعية والأخلاقية ، ولكن بسبب التشابُكِ الرهيب للأقدار والرغبات والحوادث فإننا سنظلُّ نُصاب في أجسامنا وفي نفوسنا بكثير من المعاناة ، فما الذي يُمْكِنُ أن يُعزِّي أُمًّا فقدت ابنَها الوحيد..؟! وأي سَلْوى ممكنة لرجل أصيب في حادثة فأصبح مُعَوَّقًا قعيدًا..؟!
لابدّ أن نكونَ على وَعْي بظروفنا الإنسانية فنحن ( مُتَلَبِّسون ) بأوضاع مُعَيَّنة .. وقد أستطيع أن أعمل على تغيير هذا الوضع أو ذاك .. ولكن تَبْقَى هناك أوضاع لا تَقْبَلُ بطبيعتها التغيير .. وتَبْقَى أمامنا هذه الحقائق : إنني لا مفرَّ لي من الموت ، ولابدَّ من أن أعاني وأن ( أكدح ) ، إنني ضحية الحظّ .. إنني أَتَعَثَّرُ دون رغبة مني في مشاعر الذنب .. ومن المؤكِّد أنَّ واجب الإنسان هو أن يبذلَ جهدَه لتحسين كلِّ شيء بمقدوره أن يُحَسِّنَه، ومع ذلك فسيظلّ أطفالٌ يموتون بطريقة مأساوية حتى في أكثر المجتمعات كمالاً .. والإنسان على أحسن الفروض قد يستطيع أن يُقَلِّلَ من كمِّ المعاناة في هذا العالم ومع ذلك سَيَبْقَى الظلمُ والألم مستمرين .."
فهل يَسْتَسْلِمُ الإنسانُ لله أم يَتَمَرَّد عليه..؟! يقول عزت بيجوفيتش إجابة على هذا السؤال :" الاعتراف بالقَدَرِ استجابة مثيرة للقضية الإنسانية الكبيرة التي تنطوي على معاناة لا مَرَدَّ لها .. إنه اعتراف بالحياة على ما هي عليه .. وقرار واعٍ بالتَّحَمُّل والصمود والصبر ، وفي هذه النقطة يختلف الإسلام اختلافًا حادًّا عن المثالية المصطنعة .. وذلك لأن التسليم لله هو ضوء يانع يخترقُ التشاؤم ويتجاوزه .. وكنتيجة لاعتراف الإنسان بعجزه وشعوره بالخطر وعدمِ الأمن يجدُ أنَّ التسليمَ لله في حدِّ ذاته قوةٌ جديدة وطمأنينة جديدة .."
"إنَّ الإيمان بالله والإيمان بعنايته يَمْنَحُنَا الشعورَ بالأمن الذي لا يُمْكِنُ تعويضَه بأي شيء آخر . ولا يَعْني التسليم لله سلبية في موقف الإنسان كما يظنُّ كثيرٌ من الناس خاطئين ، ففي الحقيقة كلُّ السلالات البطولية كانوا من المؤمنين بالقدر .. إنَّ طاعة الله تستبعدُ طاعة البشر والخضوع لهم ( لا إله إلا الله ) إنها صلة جديدة بين الإنسان وبين الله ، ومن ثَمَّ بين الإنسان والإنسان.."
"إنها أيضًا حُرِّيَّة يكتسبها الإنسان بمواصلة الإيمان بِقَدَرِه ، ومواصلة الكدح والجهاد سمتان إنسانيتان معقولتان ، وفيهما يتحقَّق الاعتدال والصفاء إذا نحن آمنا بأن النتيجة النهائية ليست بأيدينا ، إنما علينا أن نَسْعَى ونَعْمَلَ .. أما الباقي فبين يدي الله .. فلكي نُدْرِكَ حقيقة وجودنا في هذا العالم يَعْني أن نَسْتَسْلِمَ لله .. وأن نَتَنَفَّسَ السلام .. وألا يحملنا الوهم على تبديد جهودنا في الإحاطة بكلِّ شيء والتغلُّبِ عليه . علينا أن نَتَقَبَّلَ المكان والزمان اللذين أحاطا بميلادنا .. فالزمان والمكان قَدَرُ الله وإرادته ، والتسليمُ لله هو الطريقُ الوحيد للخروجِ من ظروف الحياة المأساوية التي لا حلَّ لها ولا معنى .. إنه طريق للخروج بدون تَمَرُّدٍ ولا قنوط ولا عدمية ولا انتحار، إنه شعور بطولي ( ولا أقول : شعور بطل ) بل شعور إنسان عادي قام بأداء واجبه وتَقَبَّلَ قَدَرَه..".
"إنَّ الإسلام لم يأخذ اسمه من قوانينه ولا نظامه ولا محرّماته ولا من جهود النفس والبدن التي يطالب الإنسان بها .. وإنما من شيء يشمل هذا كله ويَسْمُو عليه.. من لَحْظةٍ فارقةٍ تنقدحُ فيها شرارةُ وعْي باطني جُوّانيّ .. مِن قوة النفس في مواجهة مِحَنِ الزمن .. من التهيُّؤ لاحتمال كلِّ ما يأتي به الوجود .. من حقيقة التسليم لله .. إنه استسلام لله .. والاسم إسلام...!". انتهت تسبيحة على عزت بيجوفيتش وانتهت سياحتى مع ثنائيته التكاملية...
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ..
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.