خاضت القوات المصرية حروب الاستنزاف بعد هزيمة 67 وتوجت هذه الحروب بنصر العاشر من رمضان السادس من أكتوبر،وتكبد اليهود خسائر هائلة،ولقن العرب بني صهيون وأعوانهم درسا تاريخيا ،ولكن سرعان ما بدأت السياسة الغربية في استنزاف ثمرات النصر العربي بعد أن تمكن دعاة القومية من تكريس النداء القومي لدى كل شعب بأرضه , وضاعت أحلام القوميين والمخدوعين برونق هذه المصطلحات وغيرها في مهب الريح! وبدأ معنا اليهود -بمباركة أمريكا والعملاء في الداخل والخارج - في لون جديد من المواجهة،من الممكن أن نطلق عليها (حروب الاستنزاف الباردة) هذه الحروب التي تستهدف إنهاك الطاقات البشرية والمادية،ويتم هذا الإنهاك بأيدي العرب أنفسهم،فيقضي أبناء الوطن على أنفسهم ووطنهم سواء بعلم أو بغير علم،حتى يصل أمر إهدار الطاقات البشرية بهذه الصورة البشعة لمناظر القتل في البلاد الإسلامية العربية- والعرب وحدهم من يدفع فاتورة هذه الحرب،فلو تأملنا -وبكل إنصاف عدد-القتلى منذ ثلاث سنوات لوجدناه عددا يفوق عدد القتلى في كثير من الحروب،نهيك عن إهدار الطاقات المادية،من انهيار اقتصادي مزلزل قد يصب بعض هذه الدول بمجاعة أو هجرة خارج البلاد أو احتلال... وكل ذلك يقضي على البنية التحتية للبلاد ،فنحن نستورد السلاح من عدونا لقتل بعضنا البعض وتخريب بلادنا بأموالنا،ثم نصلح هذا الخراب- إن تم الإصلاح- أيضا بأموالنا وعرقنا،فالعدو يستنزف الثروات عند الهدم وعند البناء!!! كما يتم هذا الاستنزاف للطاقات البشرية والمادية عن طريق هيكلة العقائد التي تربى عليها أبناء الوطن الواحد،واستبدالها بعقائد المسخ والتنكر لكل ما ورثناه من الآباء حتى ولو كان هذا الميراث هو الإسلام بأخلاقه وقيمه ..!! ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تبدل الموروث الاجتماعي الأصيل الذي يحمل في طياته الشهامة والنخوة والسماحة والحب والود...ليستبدل كل ذلك بمورثات غريبة رسخها الغرب فينا فظهر الكره والبغض والمجاهرة بالتنابذ الذي يصل للتقاتل،وبدت صورة مختلفة للمجتمع الذي كنا نعيش فيه،لتطول حرب الاستنزاف العقائد والأخلاق كما طالت الطاقات!!. هذه الحروب الباردة غرضها السير في مشروع تقسيم الشرق الأوسط الجديد،الذي يرتكز على تقسيم البلد الواحد إلى قطع متناثرة متآكلة،حتى يعدو عليها الذئاب،وصدق رسولنا- صلى الله عليه وسلم- :"فإنما يأكل الذئب القاصية".