بعد فض اعتصام "رابعة" الدامي، يوم 14 أغسطس 2013، ظهرت الإعلامية الشهيرة لميس الحديدي، مساء ذات اليوم، لتحذر المشاهدين من إطلاق صفة "شهيد" على ضحايا الفض من المعتصمين. وقالت بعصبية : "هؤلاء ليسوا شهداء!!"مع تصاعد المواجهات في الأيام التالية، التزم كل الإعلام المؤيد لحركة الجيش يوم 3 يوليو، بتحذير "الحديدي".. وحرصت كل الصحف والفضائيات، على أن تدقق بشكل جيد في مفرداتها، خشية أن يتسرب لقب"شهيد" إلى أية ضحية، خلسة ولو حتى من قبيل الخطأ. يوم الأحد 13 أكتوبر 2013، التزم بذات التوصية، الخطاب الإعلامي الرسمي والخاص، المشارك في تغطية جنازة طالب الجامعة "بلال جابر" والذي سقط بالرصاص الحي أثناء مظاهرة مرت بشارع عباس العقاد بضاحية مدينة نصر، يوم 11 أكتوبر.. حيث وصف "جابر" ب"القتيل"! أثناء اعتصام "رابعة".. استغل الإعلاميون المؤيدون للجيش، ما نُقل عن منصة الاعتصام، من شعارات توزع "الجنة" و"النار" على المصريين بحسب الاصطفاف السياسي والأمني. مثل "قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار".. واعتبر ذلك دليلا على "تديين" الأزمة، ونقلها من مجالها الحقيقي "السياسي" إلى مجال آخر يسهل استخدامه في إرهاب الخصوم بخطاب تكفيري، يحل قتل المخالفين سياسيا، وتكفير المؤسسات الأمنية والعسكرية بالدولة ذاتها. كذلك فإن استغلال الإعلام المدني المتحالف مع سلطة ما بعد 3يوليو، لهذا الخطاب الديني لمنصة رابعة، لم يكن يستهدف "النقد" البرئ لظاهرة "خطيرة" وإنما كان يستهدف تهيئة الرأي العام، لقبول نتائج فض الاعتصام، مهما كانت مروعة.. على أساس أن الضحايا وكما وصفهم مفتي مصر السابق د. على جمعة "خوارج" ولا يستحقون "الشفقة".. وذبحهم "عبادة" و"تقرب" إلى الله تعالى. والحال أن الإعلام "المدني" كان يستبطن خطابا دينيا "تكفيريا" .. يحل قتل "الإخوان" والمعتصمين معهم في الميادين.. فالتحذير الذي وجهته لميس الحديدي، لم يكن لغة إعلامية محايدة، وإنما صنفت المصريين أيضا دينيا على أساس الاصطفاف السياسي.. فمن مع لميس "مسلمون" وقتلاهم "شهداء".. ومن مع الإخوان "كفار" وقتلاهم ليسوا "شهداء"!! وهكذا .. لا يمكن بحال اتهام طرف واحد ب"الترويع الديني" للمخالفين سياسيا، وإنما تورطت كل الأطراف التي تتصارع على "الشرعية" الآن.. في أكثر الممارسات الدينية "فاشية".. بلغت حد أن يقدم د. على جمعة، إلى قادة الجيش والشرطة، مبررا شرعيا للإطاحة بمرسي بوصفه إماما "محجورا عليه".. يقصد اعتقاله بعد عزله يوم 3 يوليو، وهو مصطلح ديني وليس سياسيا بالمرة. النتيجة التي يسهل استخلاصها من تجربة الصراع مع الإخوان على السلطة الآن، هي تراجع أدوات الصراع السياسي إلى مرحلة ما "قبل الدولة".. ودخول البلاد في أتون "المواجهات الدينية" البدائية.. وهو تراجع عبثي وخطير وغير محسوب العواقب.. والأخطر أنه لم يصنعه الإسلام السياسي وحده الذي خرج من السلطة، وفرض "ولاية المتغلب" على الجميع.. وإنما شارك في صنعه قوى مدنية انتهازية وجاهلة استخدمت الدين أيضا ك"أداة قتل" وارتكاب مذابح غير مسبوقة في تاريخ مصر الحديث.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.