مصر وطن التنوع الثقافي والفكري والديني والعرقي وكانت دائما مركز ثراء لهذا التنوع ومطالبه فعاش فيها العرب والنوبيون والأمازيغ والأكراد والمسلمون والمسيحيون واليهود جنبا إلى جنب في عجينة عجبية لا تتنافر مكوناتها. عندما نتجاهل هذا التنوع فاننا نهدم مصر أو ندفنها. نقضي عليها أو نبدد طاقاتها في حروب جانبية تبعدها عن التطور السياسي والإقتصادي والاجتماعي. ما نراه الآن يشعرنا بالخطر الشديد على بلدنا ويفقدنا الأمل في أي تغيير حقيقي. متطرفون هنا وهناك. متطرفون عند الطرف المسلم ومثلهم عند الطرف المسيحي. غبن يرتكب ضد النوبيين فنهجرًهم من بلادهم وقراهم ثم نبني لهم قرى بديلة ونأتي بغيرهم ليسكنها مع أنهم ضحوا من أجل بناء السد العالي فحملوا أطفالهم وشيوخهم بعيدا عن أرض الأجداد.. وبدلا من أن نرد لهم الجميل جئنا بالاسكندراني والقاهري والمنصوري في سياسة لا تختلف كثيرا عن ما نسمعه من سياسات التطهير العرقي لاخفاء أقلية ما! مصر بلد ذات رحم واحد خصب بثراء التنوع، فنقول عن كل من خرج منه إنهم ذوو قربى سواء كان مسلما أو مسيحيا أو صعيديا أو بحراويا أو فلاحا أو نوبيا.. كلهم أخوة وطن قام تاريخه على أكتافهم. عندما أهاجم متطرفين مسيحيين فلا أقصد كل المجتمع المسيحي، وأنا أيضا لا أتورع عن مهاجمة متطرفين مسلمين، فعجينة مصر لا يجب أن يحمضها مثل هؤلاء. وأنا لا اعتذر عن رأي قلته وأظن صوابه. لا يخيفني قراء متطرفون واستطيع أن أرد لهم الصاع مئة صاع وعلى من يعتقد أنني أخاف أو اهمد أو أترك رأيا تبنيته أن ينسى ذلك، فكلمتي هي سيفي الذي أحمله في وجه ضيقي الأفق ومتعمدي التخريب الساكنين قصورا من فراغ. لا يمكن أن أنسى أن من علمني الانجليزية هو الأستاذ عياد ناشد وأظنه قد توفاه الله فهو قد علم شقيقي المهندس أيضا عندما كان في المدرسة الإعدادية. لا أنسى عبدالملك مدرس الرياضيات ولا يعقوب مدرس العلوم، ولا مدير مدرسة الأقصر الثانوية العسكرية صديق دميان الذي ما يزال أثر عصاه على كفة يدي حتى يومنا هذا عندما كان يعلمني الانضباط والاهتمام بالعلم وترك اللعب. كلهم أساتذة مسيحيون علموني مليون حرف أيام مصر الجميلة المعتدلة الثرية بناسها المتنوعين. ربما يكون كل هؤلاء قد ماتوا الآن.. لكنهم أحياء في قلبي برقتهم وسماحتهم وحبهم لي لكوني مصريا مثلهم. لا أنسى زرزور المسيحي ابن قريتي. كنت طفلا في آخر إجازة له قبل حرب اكتوبر بشهور. قائد دبابة كان مع الفوج الأول من العابرين لقناة السويس وشارك في معركة الدبابات الشهيرة وقتل فيها بعد أن دمر عددا من الدبابات الاسرائيلية وأبلى بلاء حسنا. مصر لن تكون أبدا في متناول المتطرفين ولن تنظر إلا إلى تاريخها الجميل المعتدل. [email protected]