كبير الديار المصرية د. هشام الحمامي كبيرالديارالمصرية ورئيسها وأميرمن بها فى عصرة الى حد أن الوالى والنائب والقاضى تحت أمرة ومشورته ..إنه الليث بن سعد المولود فى شعبان سنة 94ه فى محافظة القليوبية . هناك كتابين مهمين عن الإمام الليث كتاب للدكتورسيد أحمد خليل كتبه سنه 1969م والثانى للدكتورعبد الحليم محمود كتبه سنه 1977م . د/سيد ذكر فى كتابه أن الليث ليس له كتب وجمع له 14 فتوى من عدة كتب أهمها تفسيرالقرطبى..وأكد فى دراسته أن الليث أقام مذهبا بالمعنى الكامل .. لكنه للأسف لم يقم به تلاميذه كما قال الشافعى..وذكر ايضا ان الليث له كتاب فى الفقه لازال مفقودا حتى الان اسمه(المسائل)وله كتاب فى التاريخ ..إذ تؤكد الروايات أنه كان من أكثر العلماء إهتماما بالتاريخ كعلم ..ولا غرابة فى ذلك من رجل بقامة وقيمة الليث .. فلا يغفل عن التاريخ إلا غافل أو(مغفل). فالأيام كالأيام والدهر كالدهر والناس كالناس والدنيا لمن(عرف). كتاب الدكتورعبد الحليم محمود خلص فيه إلى أن الليث كان متصوفا..وطبيعى أن يذهب شيخنا الجميل هذا المذهب ويرى فى حياة الليث من الزهد والاخلاص والتجرد واليقين ما يشير الى تصوفه . وهو بذلك يقدمه كأدل مثال على التصوف الذى يخالط الحياة والناس..ويعيش الدنيا وهى فى يديه ... وقلبه معلق بالنظر لأعلى . هناك أيضا رسالتين دكتوراة واحدة أعدها الباحث محمد حسن عبد الغفار(جامعة الازهر)بعنوان الليث بن سعد و أثرة فى الفقه الاسلامى الذى قال ان اختياره للموضوع يرجع إلى ما تمتع به الإمام الليث بن سعد من مكانة وحضور طاغ بين علماء عصره حيث بلغ ذروة الرئاسة وتربع على قمة الرواية والدراية..وأوصت الرسالة بمعرفةالاسباب التى أدت الى إندثارفقه الإمام الليث ومدى تأثيرة على فقهاء عصرة..الرسالة الأخرى للباحث محمد أبو الشيخ(جامعة عين شمس) وتناولت حياته وعطاؤه وجهده كمؤرخ ومفسر وفقيه. قصة إندثار فقه الليث هذه من الأمور التى حيرتنى كثيرا.ولم اهتد فيها لسبب..هل لانشغاله بالحياة العامة؟..فمما يروى انه كان لليث كل يوم أربعة مجالس ..مجلس للحاكم الذى كان ياتيه يوميا ويناقش معه امور البلاد..ومجلس مع القاضى وكان اذا انكر من ايهما شيئا كتب الى أميرالمؤمنين فيأتيه العزل فورا..ومجلس ثالث لأصحاب الحديث والمسائل ومجلس رابع لحوائج الناس..وطبيعى أن لا يكون هناك وقت للكتابه والتأليف بعد كل هذا الجهد وكل هذاالوقت..وأتصوران هذا كان خطأ من الإمام الليث ومن تلاميذه ..لأنه فى النهاية لا يتبقى من العالم بعد سيرته الطيبة إلا أثاره المكتوبة..وأذكر ان الدكتورعبد الوهاب المسيرى رحمه الله كان شديد الحذرمن مسألة الاندماج فى الحياة العامة بلقائتها واحتفالاتها واجتماعيتها التى لاتنتهى وكان يقول لوتركت نفسى لذلك فلن أنتج شيئا ..ورحل تاركا لنا ستين كتابا. كان الليث من أثرى أثرياء عصره (دخلة السنوى كان ثمانين الف ديناروالدينار كان يساوى جرام وربع ذهب)ويذكر المؤرخون انه لم تجب عليه زكاة قط لانه لم يمرعام كامل على اموالة وهى كاملة..وكان أكثر إنفاقه على العلماء دعما لتفرغهم التام للعلم ولعدم تعرضهم للضغوط من ذوى النفوذ والسلطان ..كان يرسل إلى الامام مالك سنويا فى المدينة ألف دينار..روايات الكرم تروى عنه بما يذهل من يعرفها لدرجه ان هارون الرشيد شعربالحرج من انفاقه كما تروى الروايات..ذلك ان الرشيد ارسل الى الامام مالك ذات مرة 500 دينار فبلغ ذلك الليث فأرسل اليه 1000 دينارفغضب الرشيد وارسل الى الليث (من الذى اخبر الرشيد؟؟) وقال له تفعل ذلك وانت من رعيتى فقال له يا أمير المؤمنين (ان لى كل يوم من غلتى الف دينار فاستحييت ان اعطى من هو مثل مالك اقل من دخل يوم ) .. لم يكن هذا المبرر دقيقا بالمعنى الكامل لموقف الليث..إذ يبدوأنه كان حريصا على أن يعلى من شأن دولة الفكرفى وجه دولةالحكم ..ومما يؤكد ذلك رفضه المتكرر أن يكون واليا على مصرفى عهد المنصورالذى كان معجب بطاقتة العقليةوقدراته الشخصية بدرجةكبيرة ..الى درجة أنه انفعل مرة فى حديث معه فقال له الحمد لله أن جعل فى رعيتى من هو مثلك..وكلمة رعية بالمناسبه كلمه(زمنيه )كانت تطلق على الشعوب فى كل الأمم .. لأن البعض من إخواننا اياهم يصورونها على أنها احتقار للشعوب وتشبيها لها بالغنم .. ونذكر حديث عمر حين واجهه أحد الناس بالعزل حال خروجه عن مقتضيات الحكم الصالح ..فقال قولته المشهورة( الحمد لله الذى جعل فى رعيتى من يقومنى إذا اعوججت) . رغم قلة الأثار العلمية التى تركها الليث كما ذكرنا إلا أن سيرة الليث بقيت حاضرة بقوة فما كان لمثل هذه السيرة ان تغيب..ويكفى أن الإمام الشافعى بعد أن أخذ من مالك ما أخذ وسمع عنه ما سمع ثم ذهب الى العراق ليسمع من أبويوسف والشيبانى أقرب تلاميذ النعمان الإمام الأعظم أبو حنيفه .علم أن فى مصر فقيه تشد له الرحال ولا يكتمل علم عالم ولا فقه فقيه دون السمع منه والأخذ عنه..ولأن الشافعى استاذ مدرسه التمام والكمال..ما كان ليفوته هذا الفقيه العظيم فيقررالذهاب اليه ..فياتيه خبر وفاته قبل ان يصل اليه فيذهب يبحث عن تلاميذه لياخذ عنهم ما تركه استاذهم .. فلم يجد احد قد كتب شيئا يذكرفقال كلمته المشهورة عن الليث(اضاعه تلاميذه ولم يقوموا به) .. وطبيعى ان يقول ذلك بعد ان رأى كيف يقوم التلاميذ بأستاذهم فى العراق..تلاميذ أبوحنيفة الذين صانوه وحفظوا فقهه وعلمه من بعده . وكان من أثرهذه(الرحلةالمصرية)للإمام الشافعى طلبا للعلم من الليث أن يبقى ويعيش ويموت فى مص..ويضرب لنا أروع مثل للوفاق التام بين الفقة والمصلحة وواقع الناس ..كل فى بيئته ومجتمعه فيغير فتاوى قالها فى(الرحلة العراقية) .. كونها لا تناسب البيئةالمصريةوالمجتمع المصرى....أين هذا من شيوخ جهلهم بمقاصد الدين يعادل جهلهم بالحياة نفسها! كانت وفاة الامام الليث رحمه الله فى ليلة النصف من شعبان سنه 174ه..وكانت جنازته من أعظم الجنازات وكان الناس يعزون فيه بعضهم بعضا وكأنهم يقولون ..ذهب الناس ..ومات الكمال.. قوموا وانظروا كيف تسير الرجال .