التعليم في مصر لا يحتاج لكتابة المقالات أو إعداد الدراسات أو بالأحرى دغدغة المشاعر والأسماع بخطب رنانة عن أهميته وضرورته ، بل في نظر كثيرين يحتاج إلى نسفه أو إلغائه من على خريطة الدولة ، لأن الأنظمة التعليمية هي التي أدت إلى سقوط الأنظمة السياسية الفاشلة مثلها تماماً وهي التي أوصلت مصر الآن إلى ما هي عليه من فوضى أخلاقية وانفلات أمني وانعدام ثقافي وتدهور قيمي بغير رجعة . هذا الاستهلال كان ضرورياً وأنا أتابع عن حرص كل لقاءات وزير التربية والتعليم الدكتور محمود أبو النصر الذي لا أعرف تخصصه الأكاديمي وربما لم أهتم كغيري عن التخصص لأنني أرغب في النتائج ، ولقاءات الوزير تشبه احتياجات ربات الخدور المصريات في مطلع القرن العشرين حينما كن رهن البيوت قابعات بغير عمل أو أمل أو أية رغبة من رغبات الدولة المدنية أو حتى الدولة الملوخية . فقط يطلبن طعاماً وشراباً وكسوة للأولاد والأحفاد . وهذا ما يصنعه الوزير اليوم مع إضافة لمسته الخاصة أو ما يسمى ب ( التاتش ) الخاص به وهو سكب مزيد من المرارة واليأس والإحباط وقلة الحيلة والفشل المحتمل ، وكم أنا متعجب من اعتراض وزيرنا المجتهد من وجهة نظره والمحيطين بمكتبه بالتأكيد من كون احتلال مصر المرتبة الأخيرة طبقاً لما أورده تقرير " تنافسية التعليم " وربما لهذا الاعتراض جاء إلى الوزارة وهو في غفلة عن حاله ومقامه وطلابنا ومدارسنا ونظامنا التعليمي بأكمله. والوزير كل ليلة وكل يوم ( مع الاعتذار للأغنية ) يؤكد حاجتنا إلى الخمسين مليار من الجنيه المصري المسكين هو أيضاً لتطوير المدارس ، والوزير لا يزال يتحدث عن التعليم متمثلاً فقط في المدرسة كمبنى خرساني معماري فقط ، ولم أسمعه على مسئوليتي الشخصية يتحدث عن المنهج المدرسي أو طبيعة التعليم أو الرؤية والرسالة أو المنتج الثقافي من عملية التعليم ، والأخطر والأدهش والأعجب قلة ثقافة المحاورين له وجهلهم الصارخ بقضايا التعليم لأنهم لم يكلفوا أنفسهم البحث عن أسئلة تشمل جودة التعليم والحوكمة والمشاركة المجتمعية وقدرات التفكير والتوعية الثقافية وهذا هو حال مصر اليوم. ونجد الوزير متحمساً ومتحفزاً وهو يتحدث عن عدم الحيث عن السياسة في المدارس ، وعدم جواز مناقشة المعلم لطلابه في الأمور السياسية وأن الوزارة أعطت تعليماتها الصارمة المانعة والجامعة بمنع الخوض في الشئون السياسية الراهنة ، وليته كان أكثر تحفزاً وهو يقارن مناهج تعليم مهارات التفكير في المحروسة مصر وبقية دول العالم ، وليته فعل خيراً بإعطاء أوامره ونواهيه أيضاً بشأن الرقي بمستوى الخطابة والإذاعة المدرسية وأنشطة الصحافة المدرسية لكنه يبدو بعيداً عن المشهد التعليمي تماماً. وعليك أن تضحك طويلاً حزنا وهماً وغماً حينما تكتشف هدف وزارة التربية والتعليم والذي أعلن عنه الوزير في حواره مع قناة أون تي في بأن هدف وزارة التربية والتعليم الحالى هو أن يستطيع طالب الأول الابتدائى القراءة والكتابة، والمشكلة أن الوزير ووزارته تقف عند ثقافة محو الأمية ، والوزارة بذلك تعطيناً آملاً استشرافياً بأننا سنظل في مكاننا الطبيعي في تنافسية التعليم العالمي والأخطر أن الوزارة لا تكون وثيقة الصلة بالموقع الإليكتروني لمنظمة التربية والثقافة والعلوم الذي يتضمن كل جديد عن التربية والتعليم . لكن الوزير أعطانا في الوقت نفسه نظرة أمل للمستقبل التعليمي حينما تحدث عن المناهج والحمد لله ، فصرح بأنه قام بحذف الحشو والتكرار من بعض الكتب، كما تم حذف معلومات مغلوطة وضعت من الإخوان فى مناهج التربية الوطنية. فهل جاء الوزير في حكومة نعدها استثنائية وحرجة في تاريخ حكومات مصر نظراً لطبيعة المرحلة الانتقالية الراهنة ليقوم بحذف الحشو والتكرار وحذف المعلومات المغلوطة فقط؟ . مشكلة وزارة التربية والتعليم في هذه المرحلة أنها تظن نفسها كمقاول بناء يعلم تماماً أنه لن يكمل عمله ، وأن غيره سيأتي مكانه وأنه مستقر في قراره بأدنى مستويات الأداء . وربما جاء عنوان المقال في صورة استفهامية تضمن الاستفسار عن قراءة الوزير لروايات أدهم صبري الشهيرة والمعروفة برجل المستحيل ، والإشارة كانت لازمة