عندما صدر حكم القضاء المصري ببطلان عقد بيع أرض مدينتي لشركة طلعت مصطفى حدث ارتباك شديد في موقف الشركة وعمليات البيع والشراء على عقارات مدينتي وحدث إحجام وخوف من قبل المشترين المفترضين الجدد ، كما وقع اضطراب وقلق شديدين بين المتعاقدين القدامى ، ويفترض في أي بلد محترم أن تكون هناك ضمانات من تأمين أو غيره تضمن حقوق هؤلاء المتعاقدين لأنهم دفعوا مليارات الجنيهات في أرض صحراء وقليل منهم من تسلم شقته بالفعل ، وكان من الطبيعي والمفهوم أن تقوم شركة طلعت مصطفى بضخ عشرات الملايين من الجنيهات للصحف والقنوات الفضائية في حملة إعلانية مكثفة تهدف إلى عودة الطمأنينة لدى المتعاقدين وتحريك البيع الراكد حاليا ، ولكن أن تقوم الحكومة نفسها بعمل دعاية مكثفة ومجانية ، بل واعتباطية لشركة طلعت مصطفى فهو الأمر غير المفهوم ، وأن تصل "الفجاجة" باثنين من الوزراء إلى أن يعقدوا مؤتمرا صحفيا يهينون فيه قضاء مصر أمام المستثمرين ويقولون لهم بالفم الملآن أن القضاء لا قيمة له ولا يغير أي شيء على أرض الواقع ولا يوقف مشروعا ولا يعطل استثمارا مهما كان ، فهو يعني أن هناك استبطانا لدى وزراء الحزب الوطني بأنهم يحكمون في "عزبة" خاصة وليس في دولة ، لها قانون ومؤسسات ، أحمد المغربي وزير الإسكان ويوسف بطرس غالي وزير المالية يقولان قبل يومين بأن الحكومة تتعهد بإتمام مشروع مدينتي أيا كانت الأحكام الصادرة ، والحكومة تضمن التعاقد الخارجي والداخلي للشركة ، وفي مقابلة مع مجموعة كبيرة من المستثمرين عبر الهاتف يقول الوزيران أن حكم القضاء لن يؤثر من قريب أو بعيد على المشروع ولا على صحة التعاقدات ، ويؤكد الوزيران أن الحكومة لن تتراجع عن أي تعاقدات على كامل أرض مدينتي ، ولو أن المستمع لا يعرف أن المتحدثين وزيران في الحكومة لتصور أنهما مسؤلا العلاقات العامة في شركة طلعت مصطفى ، كما أن مثل هذا الكلام ليس من شأنه خدمة الاستثمار والمستثمرين في البلد وبث الطمأنينة لديهم ، لأنه يرسل رسالة سلبية إلى الجميع في الداخل والخارج ، بأن الاستثمار في مصر ليس له من ضامن أو ضمانة سوى الولاء السياسي للحكومة ، ولا يوجد أي قانون أو قضاء مرجعي يحكم أو يؤثر في أي مشروعات استثمارية أيا كان ، والحكومة التي تتجاهل أو تتلاعب بأحكام القضاء على هذا النحو ، تتسبب في قلق أي مستثمر جاد أو يعتمد الشفافية والوضوح والالتزام بالقانون في أعماله ، لأنه سيدرك أن أي مشكلة أو نزاع يحدث فسوف يتم حسمه بنفس الطريقة السابقة ، من معنا ومن ضدنا ، وأن القانون مجرد ديكور في البلد ، وليس له تأثير حاسم أو حاكم للنزاعات المتصلة بالمشروعات الاستثمارية ، ثم إني لا أفهم معنى أن يصدر القضاء حكما ببطلان عقد شراء أرض مشروع ، ثم تقول الحكومة أن الحكم لا شأن له بالمشروع وأن المشروع مستمر والأرض مباعة مباعة ، على أي أساس يقال هذا الكلام الخطير ، وإذا كان سعر الشراء وفروق الأسعار أيضا يصل حسب تقديرات بعض الخبراء إلى أكثر من مائة مليار جنيه يفترض أن تعود إلى خزانة الدولة ، فهل ستتحمل الدولة هذا الفرق من أجل إنجاح مشروع شركة طلعت مصطفى ، وهو مبلغ يكفي لمشروعات إسكان جميع شباب مصر في جميع أنحاء الجمهورية ، والعجيب حقا أن حكم القضاء ينتصر للدولة وحقوقها في مواجهة رجال الأعمال فتفاجأ بأن الطعن عليه يأتي من الدولة نفسها ، وأول طعن قانوني قدم كان من هيئة المجتمعات العمرانية ، وهي إحدى هيئات وزارة الإسكان ، بما يعني أن وزارة الإسكان أحرص على أموال أبناء طلعت مصطفى من حرصها على المال العام الذي تعمل به وفيه أساسا ، وأنها لما وجدت حكما قضائيا سيكون من بعض تبعاته تحميل شركة طلعت مصطفى مليارات الجنيهات لصالح الدولة والمال العام هرعت لإنقاذ الشركة ، وقاتلت من أجل "إضاعة" حقوق الدولة ، شيء لا يصدق ، لكنه يحدث الآن في مصر . [email protected]