يبدو أننا في حاجة إلى مراجعة كثير مما نستخدمه من مفردات ومصطلحات , أثبت الواقع السياسي أنها مجرد ثرثرة مجانية لا تدل على شيء سوى أن ثمة فجوة كبيرة بين الاسم والمسمى ! من هذه المصطلحات , مصطلح النخبة , الذي بات استخدامه مستهجنا وباعثا على الرثاء , حتى إن كثيرا ممن كانوا يوصوفون بالعوام والبسطاء , هم أجدر بأن يكونوا هم النخبة الحقيقية , لأنهم تعاملوا مع الواقع والانقسام السياسي وما أعقبه من أحداث جسام , بطريقة أكثر حكمة وتعقلا من تلك النخبة المزيفة التي لم يعد هناك شك في أنها لم يتم تخليقها عبر ما يسمى في علم الأحياء بعملية الانتخاب الطبيعي , ذلك المصطلح الذي تسلل إلى العلوم الاجتماعية , ليشير إلى الأفكار التي لديها قدرة ذاتية على البقاء والاستمرار دون تدخل قسري من أحد , لكنها تحدث تلقائيا بناء على اختيار مجتمعي . لم يعد هناك شك إذن في أن هذه النخبة تتم صناعتها في غرف سرية لتتصدر المشهد السياسي والثقافي في كثير من القنوات والصحف فتردد بطريقة ببغائية وآلية ما كان يملى عليها , لخدمة بعض رجال الأعمال وبعض الاتجاهات السياسية التي لا يعنيها إلا تحقيق مصالح شخصية وفئوية , ولو كان ثمن ذلك هو الوطن ذاته . والمتأمل لردود أفعال تلك (النخبة ) يجد أنها تتسم بصفات الغواء التي من أهم ملامحها , سرعة رد الفعل , والتحريض على المخالفين في الرأي, والعدوانية , والعاطفة الشريرة جاء في لسان العرب لابن منظور "أصل الغوغاء الجراد حين يخف للطيران ثم استعير للسفلة من الناس والمتسرعين إلى الشر , ويجوز أن يكون من الغوغاء الصوت والجلبة لكثرة لغطهم وصياحهم" وقد استخدم العرب هذا المصطلح قديما , وفي حديث ابن عباس " يحضرك غوغاء الناس " . وكلمة الغوغاء في في حديث ابن عباس المروي في كثير من كتب الحديث , تدل في استخدامها وفي الاستخدام العربي المألوف كذلك على معنى سلبي يتعلق بطائفة الحمقى والأشرار من الناس , وهم مذمومون دائما باستثناء رواية موضوعة , منسوبة إلى الإمام الشَّعبي رحمه الله يقول فيها : " نعم الشيء الغوغاء , يسدون السيل ويطفئون الحريق ويشغبون على ولاة السوء ". وهذا المصطلح ( الغوغاء ) يختلف قليلا عن مصطلح العوام أو الجماهير في أن كلمة العوام لا تحمل القدر نفسه من الشحنات السلبية التي تحيط بمصطلح الغوغاء , فالعوام لديهم صفات مشتركة بعضها إيجابي وبعضها سلبي , أما الغوغاء فهو مصطلح مستقبح في الغالب .وللمفكر الفرنسي الشهير جوستاف لوبون كتاب بعنوان سيكولجية الجماهير psychologie des foules يتحدث فيه عن ثقافة وأفكار تتعلق بالرأي العام و ثقافة الجماعة , يمكن أن نفهم من خلاله أن الغوغاء هم الطبقة السفلى والمتدنية من الجماهير . أما فيما يتعلق بمصطلح النخبة , فقد جاء في لسان العرب أيضا : " ونخبة ( بفتح الخاء وإسكانها ) القوم أي خيارهم" , وهو أيضا من المصطلحات التي كان يستخدمها العرب , فكلتا الكلمتين الغوغاء والنخبة ليست محدثة , ويناظرهما في اللغة الإنجليزية كلمتا mob and elite نستطيع مما سبق أن نخلص إلى النتيجة الآتية , أن من نطلق عليهم مصطلح النخبة , هم مجموعة من الغوغاء والانتهازيين الذين ليس لديهم أي مشروع إصلاحي تنويري وطني , يحترم التعددية السياسية والفكرية والحزبية , ويدعو إلى احترام الخيار الشعبي مهما كان متعارضا مع قناعاتهم وولاءاتهم , تحتل حقوق الإنسان لديهم مرتبة أعلى من مصلحتهم الذاتية , يدافعون عنها ويقفون أمام منتهكيها , لكنهم لسوء حظ مصر , مجموعة من التجار , يتاجرون بالقيم الإنسانية , فيوجهون التهم لمخالفيهم ويحرضون على استئصالهم واعتقالهم , يتقنون كل الأدوار ويصلحون لكل العصور , لكنهم مع ذلك أغبياء لم يستوعبوا دروس من كان قبلهم في أن مصيرهم هو مزبلة التاريخ .