أهالي الضحايا: تكبدنا رحلة شاقة داخل مشرحة زينهم للبحث عن ذوينا جثث ملقاة على الأرض.. أهالي تحت الشمس الحارقة.. مواطنون ينظرون بعيون مارقة لإلقاء نظرة أخيرة على جثة ابن لهم أو صديق.. امرأة في انتظار أن ترى جثة زوجها وفي يديها أولاده.. هذا هو حال مشرحة زينهم بعد فض اعتصامي ميداني رابعة العدوية والنهضة وجامع الفتح برمسيس، حيث امتلأت المشرحة على آخرها من الجثث داخل الثلاجات، وتم إلقاء باقي الجثث في الخارج لحين انتظار دورها.
فمشرحة زينهم تقع بحي السيدة زينب وتبلغ مساحتها نحو700 متر مربع يحدها من اليمين مجمع محاكم زينهم ومن اليسار مستشفى خاص لعلاج الحيوانات وتقع المشرحة في الطابق الأرضي من المبني الذي يحتل 7 طوابق فالدور الأول خاص بالأطباء الشرعيين الميدانيين والموظفين التابعين من فني التشريح، والدور الثاني خاص بمكتب كبير الأطباء لكبير الأطباء الشرعيين ورئيس مصلحة الطب الشرعي، وفي نفس الدور توجد مكاتب المساعدين وحجرات الموظفين، بينما الدور الثالث مخصص لشئون العاملين والحسابات، والدور الرابع خاص بخبراء التزييف والتزوير والخامس لأطباء المعمل الطبي والدور السادس مخصص للمعمل الكيميائي والمشرحة لها باب خلفي لدخول وخروج المتوفين. "المصريون" رصدت معاناة الأهالي داخل مشرحة زينهم للبحث عن ذويهم بعد الأحداث السياسية التي مرت بها البلاد خاصة بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة وجامع الفتح برمسيس ووجود العديد من الجثث مجهولة الهوية التي لم يتعرف عليها أحد حتى الآن. ةفي البداية قال محمد عبد العال، 42 عامًا ويقيم بمنطقة حدائق القبة بالقاهرة: "جئت إلى مشرحة زينهم لكي أبحث عن أخي عبد العال محمد عبد العال "47" والذي يعمل سائقًا، حيث إنه متغيب عن المنزل منذ فترة ولم يعد إلى الآن، وقمت برحلة بحث شاقة عن أخي بدأت في جميع أقسام الشرطة، بالإضافة إلى المستشفيات العامة والخاصة لكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل واتجهت أخيرًا إلى مشرحة زينهم للبحث عنه في الجثث المتواجدة والمفقودة في المشرحة وشعرت بأنني من الممكن أن أجده في المشرحة ولكنى لم أجده أيضًا منذ يومين قبل الآن". وتابع: "إنه عندما تم عرض الجثث المفقودة في شاشة العرض للتعرف عليها لم أستطع التعرف على الجثة لأن جميع الجثث متفحمة ولا يوجد لها معالم وأن الأطباء في المشرحة أفادوني بأن أترك عينة من "dna" في غرفة التحليل حتى يطابقها بالجثث المتواجدة في المشرحة ومن ثم تظهر النتيجة بعد عشرة أيام. ويقول مصطفى محمد عبد السلام 31 سنة من سكان الجيزة ويعمل بائع متجول: "أبحث عن أخي محمود محمد عبد السلام 26 سنة والذي يعمل بائعًا في محل عطور حيث إنه مفتقد منذ أحدث رمسيس وقمت بالبحث عليه في كل أقسام القاهرة والمستشفيات العامة والخاصة ولكني لم أجده، وبعد ذلك جئت إلى مشرحة زينهم لكني لم أجد اسمه من ضمن الجثث المعلومة ولكني وجدته ضمن الجثث المجهولة التي شاهدتها في شاشة العرض، وبعد ذلك طالبت المشرحة باستلام جثة أخي ولكنهم رفضوا ذلك حتى أقدم أي دليل يثبت أنه أخي وطالبوني بترك عينة في غرفة التحليل حتى يقوموا بالتطابق بينها وبين الجثة، وفى خلال عشرة أيام إذا تم التطابق سوف أحصل على الجثة بعد تشريحها وأقوم بدفنها". وشدد عبد السلام على أن أخيه محمود لا ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين ولكنه ذهب إلى رمسيس لكي يقوم بإجراء عملية له هناك، وبعد أن قام الطبيب بإجراء العملية حدثنا أخي هاتفيًا وبعد ذلك قام بأداء صلاة المغرب ومن ثم لم نعرف عنه أي شيء إلى أن وجدته من ضمن الجثث المجهولة وأنا أظن أن أخي لم يرحمه أحد بمجرد أنه ذو لحية. ويقول محمود يوسف محمود، مدير شركة خاصة 32 سنة يسكن بمنطقة المعادى: "جئت إلى مشرحة زينهم لاستلام جثمان الشهيد وليد فكرى 34 سنة، والذي كان يعمل مديرًا في كارفور، حيث توفى في المستشفى بعد أن تم ضربه بالرصاص في أثناء فض اعتصام رابعة العدوية, وعلى الرغم من أن الشهيد وليد ليس لديه انتماء سياسي إلا أنه قتل فى تلك الأحداث المؤسفة التي تمر بها البلاد الآن. كما أضاف يوسف أن وليد كان لا يعرف ميعاد فض اعتصام رابعة العدوية وميدان النهضة لذلك خرج من منزله مثل كل صباح إلى العمل، وفى طريقه تم ضربه بالرصاص بجانب عمله بكارفور في طيبة مول بمدينة نصر، وبعد ذلك تم نقله إلى مستشفى التأمين الصحي وبعد ذلك تدهورت حالته الصحية بسبب وجود الرصاصة في مكان خطير داخل الرقبة التي استقرت بعد ذلك داخل العمود الفقري، وبعد ذلك توفي تاركًا للدنيا خمسة أطفال بدون أب، ومن الواضح أن وليد قتل ظنًا أنه من معتصمي رابعة العدوية لأنه كان ذا لحية.
ويشير محمد حسنين يعمل في إحدى الشركات الخاصة بالقاهرة 26 سنة وهو شاهد عيان داخل مشرحة زينهم وقضى بها 48 ساعة فى خدمة الجثث التي تعفنت بسبب عدم وجود ثلاجات كافية في المشرحة وقام أيضًا بمساعدة الأطباء في عمليات التشريح دون أن يلفت انتباه رجال الأمن, أنه ذهب يوم فض اعتصام رابعة العدوية وميدان النهضة إلى مشرحة زينهم بسبب وفاة أحد أقارب أصدقائه هيثم الشواف منسق تحالف القوة الثورية وعضو جبهة 30 يونيه الذي تم قتله في أحداث ميدان النهضة. وحين جئت لمشرحة زينهم وجدت الفاجعة وهو عدد كثير من الجثث تحيط بالمشرحة نظرًا لعدم استيعاب المشرحة العدد الذي قتل في أحداث فض الاعتصامات. وكنت أريد أن أدخل المشرحة لكي أبحث عن جثمان صديقي وليد لكي نقوم بدفنه، وبالفعل دخلت المشرحة وعندما اعترضني رجال الأمن قلت لهم أريد أن أبحث عن صديقي داخل المشرحة فتركوني لكي أرى مأساة إنسانية ألا وهى انتهاك حرمة الموتى فرأيت كل الجثث ملقاة على الأرض وأيضًا عدم المعاملة الآدمية في تشريح الجثث من حيث عدم خياطة الأماكن المشرحة لعدم وجود الأدوات اللازمة, وبعدما شاهدت كل ذلك حاولت مساعدة الأطباء والعاملين فى المشرحة حيث قمت بنقل الجثث الملقاة على الأرض إلى الحجرات المخصصة لها، بالإضافة إلى تقسيم غرف المشرحة إلى فئات معينة لتتمكن من تشريح أكبر عدد من الجثث، حيث إنه هناك الكثير من الجثث الملقاة في الشارع بجانب مشرحة زينهم، لأن المشرحة لم يكن فيها الكثير من التجهيزات التي تستوعب كل هذه الجثث فكان لابد من وجود ثلاجات خارجية كبيرة لكي لا تتعفن الجثث نظرًا لارتفاع درجة حرارة الجو لذلك أتت القوات المسلحة بثلاث ثلاجات كبيرة لكي لا تتعفن الجثث ومساعدة المشرحة أيضًا في أداء عملها نظرًا للظروف التي تمر بها البلاد الآن. وأضاف حسنين نظرًا لعدم وجود ثلاجات كافية داخل مشرحة زينهم قام أهالي منطقة السيدة زينب بمجهود مشكور عليه, حيث قاموا بتغطية الجثث بكميات كبيرة من الثلج لكي لا تتعفن لأنها كانت متروكة في الشارع بجانب المشرحة لمدة يومين وقام أيضًا الأهالي بإعطاء أكفان للموتى لأهالي الشهداء لعدم وجوده داخل المشرحة. وأشار حسنين إلى أن بعض الجثث التي خرجت من مشرحة زينهم تحمل في تقرير الطبيب الشرعي أن سبب الوفاة انتحار وليس القتل بطلق ناري على الرغم من معرفة سبب القتل الظاهر لنا جميعا بالعين المجردة وهو الطلق الناري ولكن يرجع ذلك إلى سبب رفض أهالي الجثة عدم التشريح لمعرفة سبب الوفاة قبل الدفن. وأشار حسنين إلى أن من أكثر الأشياء التي شدت انتباهه في الجثث هو إطلاق النار في مكان محدد سواء في الرقبة أو الصدر رغبة في القتل ولكنه لا توجد أثار تعذيب على الجثث, أما عن الجثث التي دخلت مشرحة زينهم مجهولة المعالم ويبدو لنا أنها متفحمة فهذه الجثث جاءت بمظهرها الطبيعي ولكنها ظلت خارج ثلاجات المشرحة أكثر من يومين لعدم وجود ثلاجات كافية فكانت نتيجة ذلك في البداية إلى تغير لون الوجه إلى الأزرق ثم الأسود ومن هنا تظهر لنا الجثث على أنها متفحمة غير معروفة المعالم.