قبل فض اعتصامي "رابعة" و"النهضة"، قال لي قيادي إسلامي بارز، وأحد المقربين من الرئيس السابق، إن الجماعة في طريقها إلى القبول بالواقع الجديد، ولكنها تحتاج إلى "ضمانات".. غير أن المشكلة في هوية "الضامن"، إذ لا تثق الجماعة في الوسيط المصري وضمانته، وأنها تحتاج إلى ضمانات من المجتمع الدولي، ومن القوى الغربية التي لها سلطة إلزام نسبية على القيادة السياسية الجديدة في القاهرة. لم يخف القيادي الإسلامي، قلق الإسلاميين جميعًا، من الوضع الجديد في مصر، وفاجأني بقوله: إن من في "الميدان" وغيرهم خارجه، بمن فيهم "شركاء" صنعوا 30 يونيه، يحتاجون أيضًا إلى ضمانات.. والأخيرة لم تعد شرطًا إخوانيًا للانصراف من الميادين، وإنما مطلب أساسي لكل الإسلاميين حتى هؤلاء المخالفين لجماعة الإخوان المسلمين. قوى إسلامية كبير ومهمة، معارضة للجماعة، ولها هيبتها لدى المؤسسة العسكرية، كانت قلقة من الحشود الإخوانية، غير أنها كانت قلقة أيضًا، من انصراف الحشود، خوفًا من أن يتفرغ لها النظام الجديد، ويستجيب لمطالب "الاستئصاليين" داخل السلطة الجديدة وحلفائها من اليسار المتطرف وقوى إعلامية فلولية، ما انفكت تضغط في اتجاه شطب الإسلاميين جميعًا، من على الخريطة السياسية وحرمانهم من العمل العام، وإعادتهم إلى السجون إذا اقتضى الحال. وإذا كان إسلاميون "حلفاء" للنظام الحالي، قلقين من الإخوان، ولا يعجبهم الأداء السياسي للجماعة، ويحملونها مسؤولية "توتير" البلد كله، إلا أنهم كانوا لا يخفون في مجالسهم الخاصة، أملهم في ألا تنصرف الحشود إلا بعد الحصول على ضمانات جادة ومسؤولة في وجود "شهداء" غربيين عليها.. تكفل حصانة التيار الإسلامي كله على تنوعه واتساعه، وتحميه من التصفية السياسية، ومن الانتهاكات والملاحقات القضائية والانتهاكات الأمنية. الأزمة إذن لم تعد بين الإخوان والجيش.. بل اتسعت لتضع السلطة التي ورثت الحكم من الجماعة، أمام أخطر تحدٍ يمكن أن تتعثر فيه ويعيق مرحلة التحول ويجهض خارطة المستقبل.. إذ اتسعت جبهة القلق لتتجاوز الإخوان.. لتمس القطاع الأكبر من الإسلاميين بمن فيهم الفصائل التي شاركت في الإطاحة بمرسي يوم 3 يوليو الماضي.. وذلك بفضل النزعة العدوانية المتنامية تجاه التيار الإسلامي، سواء من قبل الأطراف المتطرفة داخل السلطة أو خارجها من حلفائها السياسيين والإعلاميين المحسوبين على النظام القديم. تجاوز الأزمة وفقًا لتلك المقاربة لا يحتاج فقط إلى "مصالحة" محدودة مع الإخوان.. وإنما مصالحة تاريخية كبرى، مع الإسلاميين في المجمل.. وهو الحل الذي لن يكون مجديًا إلا في وجود "ضمانات" ملزمة للجميع خاصة للجيش وللحكومة المؤقتة ويمتد أثرها في الحكومات المتعاقبة فيما بعد. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.