لم تأت بالتأكيد "كاثرين آشتون" لمهمة "إنسانية".. أي أنها لم تأت للتأكد ما إذا كان الرئيس السابق د.محمد مرسي، يعامل معاملة حسنة وحسب.. فهي الزيارة الثانية لها خلال أقل من أسبوعين، وما كان الاتحاد الأوروبي ليرسل أرفع مسئول أمني، مرتين متتاليتين إلى القاهرة، إلا إذا كان ثمة أمر جلل حمله على ذلك. ويبدو لي أن حادث "المنصة" أربك خططًا بالداخل، وجعل الخارج أكثر قلقًا على ما حدث في مصر.. ولا يمكن بحال قراءة مشاهد الدم في القاهرة، منعزلة عن عمليات العنف المنظم في سيناء القريبة من إسرائيل "المدللة" أمريكيًا وأوروبيًا، والصورة على هذا النحو، ربما تكون أكبر من قدرة الإدارة المصرية الجديدة على الحل.. خاصة وأن دعوة الفريق عبد الفتاح السيسي، للشعب بالنزول إلى الشوارع والميادين ل"تفويضه" لمواجهة "الإرهاب".. فسرت بأنها انتصار ل"خيار القوة" لفض الحشود المليونية للإسلاميين، بغض النظر عن تكلفته السياسية الكبيرة، وأن مذبحة "المنصة" كانت مقدمة لفاتورة باهظة، قد لا تتحملها القاهرة ولا القوى الدولية التي ترتبط مصالحها باستقرار الأوضاع الأمنية في مصر. ويبدو لي أن "كاثرين آشتون" جاءت لمساعدة كل الأطراف "المرتبكة" للخروج من الأزمة، وربما للاستماع أكثر إلى جماعة الإخوان المسلمين، والتي خاطبت منذ الإطاحة بمرسي الخارج أكثر من الداخل.. وهي الرسائل التي فهمها الغرب، بأن الجماعة تحتاج إلى "ضمانات دولية" تعصمها من استباحتها أمنيًا وقضائيًا لاحقًا. غير أن ثمة مشكلة أخرى، تتعلق بفحوى أية تسوية، تتجاهل تفاصيل أخرى مهمة، تخص "قوى الثورة" التي ترى أن أية مصالحة بدون تحقيق "العدالة الانتقالية" سيكون مآلها الرفض والفشل. أعلم أن مبادرة "البشري" و"العوا".. حاولت حل أزمة الطرفين الأساسيين: الإخوان والجيش.. وبحثت إمكانية انصراف "مشرف" للإخوان من الميادين.. ورجوع الجيش "منتصرًا" إلى ثكناته.. غير أنها قفزت على مطالب "شركاء" آخرين شاركت في صنع 25 يناير 2011، و30 يونيه 2013.. وهي التجاهل الذي جعلها مرفوضة من قوى الثورة. "آشتون" جاءت برؤية أوسع وأشمل، تحاول تحقيق طموحات الجميع: الجماعة والجيش وقوى الثورة.. ولذا فهي اجتمعت مع كل هذه الأطراف.. ولم تكتف بلقاء السيسي وقيادات الجماعة.. وإنما استمعت أيضًا إلى شاب الثورة. وأيًا ما كان الآمر.. فإن خيار القوة قد بات مستبعدًا الآن، لأنه قد يورط السلطة الجديدة في المزيد من الإحراج أمام المجتمع الدولي، الذي يجد حتى الآن صعوبة كبيرة في إقناع الرأي العام الغربي بأن ما حدث في مصر "إرادة شعبية" وليس "انقلابًا عسكريًا". الأزمة تحتاج إلى إبداع "سلمي" جديد.. يستبعد "الحل الأمني" لأن الأخير يعني عودة الانتهاكات بشكل يفوق ما كانت عليه أثناء حكم مبارك.. لأن الأجهزة الأمنية الحالية تحكمها الآن علاقات ثأر مع الإسلاميين من جهة.. ومع القوى المدنية التي شاركت في هزيمة الشرطة في 28 يناير 2011 من جهة أخرى.. بمعنى أن الحل الأمني لن يرحم أحدًا إسلاميًا أو علمانيًا. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.