شيئا فشيئا تتكشف حقائق مروعة عن واقعة قتل خالد سعيد في الاسكندرية على يد بعض رجال الأمن ، نيابة استئناف الاسكندرية التي مارست مسؤوليتها بجدية وكما يمليه عليها القانون حصلت على شهادات دامغة ومتكررة من صاحب السايبر الذي اختطف منه خالد ومن زوجة حارس العقار الذي قتلوه فيه ومن بائعين كانوا حاضرين في لحظة الاعتداء ، جميعهم قالوا أن المخبرين اختطفوا خالد وأسعوه ضربا وركلا ثم ضربوا رأسه في حديد مدخل العمارة والسلم ، وبعضهم قال أمام نيابة الاستئناف أنه سمعه يستغيث بأنه "بيموت" فقال له القتلة : إنت ميت ميت ، بما يعني أنهم أتوا قصدا من أجل قتله ، لا يوجد أي رواية أخرى تشكك في جريمة القتل سوى كلام اثنين من المسجلين خطر تحت سيطرة قسم الشرطة نفسه الذي ينتمي إليه القتلة ، وكل ما أتمناه أن تتواصل التحقيقات بنفس تلك الجدية لجلاء الحقيقة وشفاء صدور ملايين المصريين تجاه هذا الحادث البشع الذي حاولت جهات عديدة في الدولة وأجهزتها وصحافتها وإعلامها التستر عليه "وطرمخة" الموضوع بالتعبير الدارج الشهير ، وأنا لا أفهم كيف استباح لنفسه وكيل النيابة الذي نظر الحادثة في البداية أن يصدر قراره فيها خلال ساعات بكل تعجل واستهتار بتبرئة المتهمين وصرفهم من سرايا النيابة دون أن يبذل الجهد الذي يليق بجريمة بشعة مثل هذه أو يطلب سماع شهادات الشهود أو مناظرة الجثة أو غير ذلك من مقتضيات الأمانة في التحقيق ، هل كان من الضروري أن يتظاهر آلاف المصريين وتنتفض ملايين الضمائر داخل مصر وخارجها من أجل أن تقوم النيابة العامة بمسؤوليتها الأخلاقية والإنسانية والقانونية على الوجه الصحيح ، هل كان ضروريا أن تحدث هذه الضجة الكبرى من أجل أن يتم نقل التحقيقات إلى نيابة الاستئناف واستخراج الجثة من جديد وإخضاعها للجنة طبية ثلاثية والاستماع إلى كافة شهود الواقعة لمحاولة الوصول إلى الحقيقة ، القدر المتيقن والمقطوع به الآن أن هناك جريمة اعتداء مروع مارسه المخبرون ضد المواطن خالد سعيد وأنهم سحلوه بالفعل بقصد قتله ، وبقطع النظر عن نتيجة التقرير الطبي المنتظر ، فإنه لن يغير من الأمر شيئا في هذه الجزئية المقطوع بها حتى الآن ، ويبقى مسألة تأكيد ما إذا كان مات من جراء هذا الاعتداء الوحشي أم أن سبب الموت كان شيئا إضافيا ، وتلك نقطة أخرى ، والحقيقة أن الناس قلقة من إطالة أمد التقرير الطبي ، فقد صدر التقرير الطبي الأول "المسلوق" خلال يومين ، ثم أعلنت اللجنة الثلاثية عن أن تقريرها سيستغرق حوالي عشرة أيام ، لكن خواطر الناس وغضبهم لن يهدآ خلال هذه الأيام ، ولا يمكن لأي تقرير يصدر أيا كان يقنع أحدا بأن صاحب هذه الصورة المشوهة لم يتعرض للسحل والاعتداء أو أن يأتي التقرير نافيا لشهادة الشهود الذين رأوا عملية السحل رأي العين وتطابقت رواياتهم عن الجريمة ، وقصة أن شابا عاقلا وناضجا مثل هذا الشاب حسب سيرته المنشورة يقبل على ابتلاع "لفافة" بانجو فيموت بها بمثل هذه الحماقة والجهل ، وكان بإمكانه لو صحت حيازته لها إلقاءها في أي اتجاه بسهولة ، هذه القصة الخرافية تحتاج إلى "قفا عريض" لتصديقها ، وكل من سمعته يتحدث عن هذه "الخرافة" وجدتهم يجمعون على أن منطق الرواية الصحيح أنهم "حشوه" بها بعد أن سحبوه من المكان بعد ضربه حيث اختفوا به لمدة نصف ساعة قبل أن يعيدوه ويلقوا به في الشارع ويطلبوا له الإسعاف لإخراج أنفسهم من المسؤولية عن مقتله ، ولو كانت الرواية الأولى صحيحة لكان الأولى أن يذهبوا به مباشرة إلى أقرب مستشفى بدلا من أن يسحبوه إلى مكان مجهول لمدة نصف ساعة حسب رواية الشهود ثم يعودوا لإلقائه في الشارع ويطلبوا له الإسعاف ، الناس تنتظر بلهفة شديدة كلمة العدالة تجاه هذه الجريمة المروعة ، وسوف تكون وصمة عار في جبين النظام كله، في الداخل وفي الخارج ، إذا أفلت الجلادون والقتلة من العقاب المستحق . [email protected]