فى الوقت الذى وضع فيه معظم المصريين والحركات الثورية والتيارات السياسية ثقتها فى الدكتور محمد البرادعى لقيادة المرحلة الإنتقالية بعد الإطاحة بنظام الرئيس المعزول محمد مرسى والإخوان، وقيام ثورة 30 يونيو والذى لعب فيها الرجل دوراَ كبيراَ كما لعب من قبل فى ثورة 25 يناير، وجاء تعيينه على أثر ذلك نائب لرئيس الجمهورية لشئون العلاقات الدولية، جاء الدكتور البرادعى ليصدمنا جميعا باستقالته احتجاجا على فض الأمن لإعتصامى النهضة ورابعة العدوية بالقوة متحججاَ بأنه "من الصعب تحمل مسئولية قرارات لا يوافق عليها ويخشى عواقبها". الإستقالة فى هذا الوقت هى بمثابة سقطة كبيرة للدكتور البرادعى، وطعنة فى ظهر الثوار، وضربة للثورة المصرية فى مقتل سواء على المستوى الداخلى أو الخارجى، وعرض صورة مصر الدولية للتشويه والإدانة ، وهروب من تحمل مسئولية قيادة الوطن فى وقت يحتاج هذا الوطن الى رجل فى مثل علمه ومؤهلاته وخبرته وعلاقاته الخارجية ... ولكن للأسف الشديد خذل الدكتور البرادعى الجميع وتخلى عن مسئوليته بسبب حجج واهية وليس لها أساس من الصحة اطلاقا وبدون حتى الرجوع لجبهة الإنقاذ الوطنى الذى كان المنسق العام لها أو لحزب الدستور الذى يعتبر مؤسسه ورئيسه أو الرجوع لمسؤولى الدولة الذين اختاروه أو للشعب الذى وضع ثقتهم فيه.لقد شارك الدكتور محمد البرادعى - منذ توليه منصبه الأخير - فى كل الجهود السياسية والدبلوماسية التى ُبذلت لحل الأزمة التى تجتاح مصر حاليا ، وكان شاهداَ على كل المباحثات و مستقبلا لكل الوفود الأجنبية التى زارت مصر لحل الأزمة، ومحاولة اقناع الإخوان واتباعهم بفض اعتصامهم بطريقة سلمية ، ولكن للأسف الشديد باءت كل هذه المحاولات بالفشل الذريع نتيجة تعنت الإخوان واصرارهم على الإعتصام غير السلمى وحيازتهم للأسلحة داخل اعتصامى رابعة والنهضة وتعذيبهم وقتلهم للمواطنين الأبرياء داخل هاذين الإعتصامين. وبعد أن قررت الحكومة فض الإعتصامات بالقوة لأن الكيل قد فاض والغضب قد اشتطاط عند المصريين ، هاج وماج البرادعى وغضب غضباَ شديداَ مع أنه يعرف جيدا أن جماعة الإخوان المسلمين هى جماعة فاشية ارهابية ، كل همها هو مصلحتها فقط وليس مصلحة مصر أو المصريين ، استقال البرادعى معترضاَ على فض الإعتصام بالقوة بدون أن يقدم حل أو أن يطرح بدائل للخروج من الأزمة. ولا أعرف لماذا يدافع صاحب "نوبل للسلام" عن تنظيم دولى إرهابى دمر مصر خلال أقل من سنة وحولها لحظيرة للأهل والعشيرة، ولا أعرف ايضا لماذا يطالب بخروج آمن لقيادات الإخوان المحبوسة وعلى رأسهم الرئيس المعزول محمد مرسى ، كيف يطالب بخروج آمن لقيادات ارهابية متهمة بقتل المصريين وذبحهم و تعذيبهم، ومتورطة فى قتل جنودنا فى سيناء، ومسؤولة عن الحالة البائسة التى وصل لها أحوال المصريين وتشويه صورة مصر أمام العالم. يهوى الدكتور محمد البرادعى دائماَ الوجود فى دائرة الضوء ولكن بدون تحمل أى مسئوليات، وهاهو قد انسحب من المشهد كما انسحب قبل ذلك فى السبعينيات من وزارة الخارجية أثناء عمله كدبلوماسى احتجاجاَ على توقيع مصر لإتفاقية كامب ديفيد، وكما انسحب أيضاَ إبان الإنتخابات الرئاسية التى أجريت العام الماضى فى وقت طالب فيه الكثيرون منه الترشح( وكانت فرصته فى الفوز كبيرة جداَ). سقط القناع عن البرادعى وظهرت زيف شخصيته ، وعرف المواطن المصرى لاسيما البسيط حقيقة هذا الرجل الذى خدعنا جميعاَ. لقد انتهى الدكتور محمد البرادعى سياسياَ وفقد رصيده لدى محبيه ومؤيديه ، ولم يعد له مكان فى الخريطة المستقبلية فى مصر، بعد أن كان يعتبر الأب الروحى لثورة 25 يناير(وموجتها الثانية فى 30 يونيو) وملهمها وأيقونتها فهو من أوائل الناس الذين طالبوا بالتغيير فى مصر فى عهد الرئيس السابق حسنى مبارك وتحديداَ فى عام 2008 بعد انتهاء ولايته كرئيس للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو الذى حرك المياه الراكدة بعد أن يأس المصريين وساءت معيشتهم وقبلوا بالأمر الواقع.. ولكن تأتى الرياح بما لاتشتهى السفن، فالمواقف حقاَ هى التى تظهر صلابة الرجال ومعادنهم الأصلية.