أراد الله هتك ستر جانبًا مما يضمره التيار العلماني (الظهير المدني للانقلاب العسكري) خلف الغرف المغلقة، فظهر متحدثهم دون أن يدري أنه على الهواء يقول: "نحن نكذب حين نقول إن مصر بلد متدين بالفطرة، لا مصر بلد علماني بالفطرة " واعتبر أن الفرصة الآن سانحة لإبعاد التيار الإسلامي (الإسلام السياسي) بكل مكوناته من المشهد السياسي. أنا لن أناقش هذا الكلام من الناحية السياسة التي تدل على العقلية الإقصائية للتيار العلماني المصري ولكن سأناقش من الناحية الفكرية، كيف يفكر التيار العلماني المصري؟ المقابلة التي ذكرها بين الدين والعلمانية صحيحة، لأن العلمانية قامت ضد الدين، ليس بمعنى محوه من الوجود، ولكن بمعنى حصره داخل الصدور وفي أماكن العبادة، دون أن يكون له أثر في تنظيم الأمور الحياتية للناس. ولكن ضد أي دين قامت العلمانية؟ قامت ضد دين الكنيسة، الكنيسة التي تحالفت مع القياصرة والإقطاعيين ضد الشعوب. الكنيسة التي حبست أنفاس الشعوب وحرمتهم حرية التفكير، ليس فقط الأمور الدينية، ولكن حتى في الأمور العلمية، فناصبت العلم والعلماء العداء، وأحرقت كتبهم وحرمتهم من كل حقوقهم. الكنيسة التي قامت بدور "هامان" لإخضاع الشعب لسلطة الحاكم، كما يقول "ول ديوارنت" في كتابه "قصة الحضارة": (إن الإرهاب الروحي الذي يبثه رجال الكنيسة في النفوس، قام مقام ألف من القوانين ومائة ألف من رجال الشرطة في الإبقاء على طاعة الجماهير وامتثالها للحكومة والملك). الكنيسة التي كان يردد راعيها على البسطاء موعظة بطرس: "ابحثوا عن الله في الجوع واشكروا من يخطف خبزكم لأنه أجلسكم على مائدة العشاء الأخير إلى جوار المسيح." في حين يرى الشعب البابا يسكن في بلاط ينافس به الملوك، ويلبس ثيابًا وتاجًا وصولجانًا تكفي قيمتها لإطعام آلاف الجوعى. الكنيسة جسدت فكرة الدين الموروثة من الأساطير اليونانية (التي شكلت العقل الأوروبي) على أنه صراع بين عالم الآلهة وعالم البشر. صراع بين "بروميثوس" الإله المارق الذي أهدى البشر سر النار وبين عموم الآلهة الأشرار. هذا هو الدين الذي قامت العلمانية بإقصائه. أما نحن فديننا علاقة حميمة بين العبد وربه، ربنا هو: "رب الناس، ملك الناس، إله الناس" "الخلق عيال الله"، مكرمون لمجرد أنهم بني آدم، أرواحهم نفخة من روح الإله. المسجد عندنا هو الدين والدنيا معًا، هو العلم والعرفان، هو مؤول العائزين به من ظلم الحكام، هو مفجر الثورات ضد الظلم وضد المستعمر. أبرز علمائنا في العلوم والفلسفة كانوا علماء في الشرع أيضًا. هؤلاء السفهاء الجهلة، ببغاوات يرددون بلا علم بدينهم ولا مجتمعهم، فهؤلاء ترجمة حرفية لما ذكره "جان بول سارتر" في مقدمة كتاب "المنبوذون في الأرض" عن طبيعة مثقفي الشرق الذين صنعهم في الغرب: "حينما كنا نتحدث في الغرب كنا نسمع انعكاسًا صادقًا وأمينًا لأصواتنا من الحلوق التي صنعناها، وكنا واثقين من أن هؤلاء المثقفين لا يملكون كلمة واحدة يقولونها غير ما وضعناه في أفواههم" هؤلاء الجهلاء الذين يستقوون الآن بدبابات العسكر، يتسترون خلف محاربة التيار الإسلامي، وهم يحملون حقدًا على الإسلام ذاته، ويعتبرون أنهم أمام فرصة تاريخية تجعلهم يضعون أيديهم حتى في أيدي الشيطان من أجل إقصاء الدين الإسلامي عن المجتمع. وسيتخذون في سبيل ذلك كل ما يتاح لهم من أساليب قذرة ببث الكراهية، وإراقة مزيد من الدماء – كما جاء على لسان السفيه– والتغطية السياسية والإعلامية على الاعتداء على ممتلكات وحريات المتدينين ومحاصرة المساجد، حتى يسقطوا هيبة الحرمات في صدور الناس، فيتقبل الناس ما كانوا يستنكرون سماعه لما يحدث في بورما. أقول هذا ولا أبالي بمن يقول: لا تخلط الدين بالصراع الدائر الآن. فالمسألة أصبحت مفروضة على الجميع فهم بكل وسائلهم يوجهونك بالحقد والكراهية لمحو هوية مصر الإسلامية.