بعد فشل تجربة الإسلاميين في الحكم, ظهرت العديد من الشائعات والمصطلحات التي أثارت حالة من الإرتباك في المشهد المصري. وأصبح البعض يتحدث عن كون مصر بلدا علمانيا بالفطرة, والبعض الأخر يطلق شائعات حول تعديل المادة الثانية من الدستور. وبين هؤلاء وأولئك ظهرت بعض الأصوات التي تربط بين حكم الإسلاميين وهوية مصر الإسلامية, وتدلل علي ذلك بما يطالب به البعض من ضرورة أن ينص الدستور الجديد علي علمانية الدولة. بدورنا طرحنا ما يدورعلي علماء الفقه والشريعة الإسلامية فأكدوا أن الشعب المصري متدين بالفطرة, وأن المسلمين والمسيحيين في مصر تربطهم نفس القيم والمبادئ التي حملتها الرسالات السماوية من العفة والطهارة والرحمة والمودة وإحترام الأخر والتعايش السلمي, وشدد العلماء علي أن الحفاظ علي المادة الثانية من الدستور تعد ضرورة وطنية. الأمر نفسه أكده رجال الدين المسيحي بأن الشعب المصري لديه حالة فريدة من الإلتزام بالمبادئ والقيم التي عاش عليها أبناء الوطن الواحد رغم اختلاف العقيدة, ولا يمكن لأحد أن يميز المسلم عن المسيحي إلا عند ممارسة الطقوس الدينية, وأن الجميع يطالب بالدولة المدنية الحديثة التي تحترم الأديان وتقف علي مسافة واحدة من الجميع. الإلتزام بوثيقة الأزهر وقال المفكر الإسلامي الدكتور محمد كمال إمام أستاذ الشريعة الإسلامية جامعة الإسكندرية أن المادة الثانية من الدستور استقر عليها الشعب المصري منذ عقود طويلة, ولم تعد هذه المادة محل جدل بين القوي السياسية في مصر وبين المسلمين والمسيحيين, مؤكدا أن جميع القوي والتيارات السياسية علي الساحة أعلنوا الموافقة علي المادة الثانية من الدستور في وثيقة الأزهر والتي كانت محل إجماع ولم تشهد أي إعتراض في ذلك الوقت, وأن اللجنة التأسيسية أخذت بما جاء في وثيقة الأزهر حول هذه المادة, وطالب الجميع بعدم طرح أي تعديلات علي هذه المادة في ظل الفترة الفارقة التي تعيشها مصر حاليا, فالمسألة لا تحتاج لمزيد من الخلاف, خاصة أن المادة الثانية من الدستور هي جزء أساسي من الهوية الوطنية وتمثل حماية كاملة للجميع. ويري الدكتور كمال حبيب القيادي السابق بتنظيم الجهاد أن الهوية الإسلامية لمصر تعد واقعا ملموسا, لأن أغلبية الشعب المصري من المسلمين, وليست هناك أزمة في العلاقة بين المسلمين والأقباط, وأن دستور1923 أقر بهوية مصر الإسلامية, كما أن المادة الثانية من دستور2012 وافق عليها الجميع, وهناك مادة في الدستور وهي المادة219 فسرت معني مبادئ الشريعة الإسلامية, وينبغي أن تظل المادة الثانية من الدستور كما هي ولا يجب المساس بها, لأنها أصبحت واقعا ملموسا لا يجوز القفز عليه. وطالب حبيب جميع القوي والتيارات السياسية والأحزاب والأفراد بعدم الحديث عن المادة الثانية من الدستور, وذلك حتي لا يعتقد الناس أن الخلاف السياسي مع الإخوان تحول إلي خلاف مع الإسلام ومع هوية الدولة, ولابد من أخذ العبرة والعظة من الأحداث الماضية, وألا يتحول الخلاف السياسي إلي خلاف مع الدين, مشيرا إلي أن الأصوات التي تطالب بعلمانية الدولة هي أصوات العلمانية الأصولية التي لها خلاف مع الدين سواءا كان الإسلام أو المسيحية. وشدد علي ضرورة عدم الإنسياق وراء الأصوات العلمانية حتي لا تفقد ثورة30 يونيو مضمونها, ويقوم البعض بتفسير ذلك بأنه حرب علي الإسلام, لأن الإدعاء بأن مصر بلد علماني غير معقول فمصر بلد الأزهر الشريف بلد متدين بالفطرة. التدين بالفطرة من جانبه أشار الدكتور عبد الفتاح إدريس, أستاذ الفقه بجامعة الأزهر, الي أن هناك صدمة لدي المصريين من الدعوة التي أطلقها البعض بأن يراعي في وضع الدستور المصري أنه لدولة علمانية, ووقائع الأحوال تدحض مدعي هؤلاء, فإن مصر منذ نشأتها دولة دينية, تؤمن بوجود إله, ويؤمن أهلها بالبعث والحشر والحساب والجزاء والجنة والنار, وتاريخ هذا البلد يشهد أن المصريين القدماء عملوا لما بعد الموت, وأنهم كانوا يراعون ما من شأنه أن يوصلهم إلي الجنة في اعتقادهم, فيعملوا به, وأن يبتعدوا عما من شأنه أن يرديهم في النار, وقد كان بها أنبياء ورسل, منهم موسي وهارون وعيسي. وكل هذا يدل علي أن أهل مصر متدينون بطبعهم, فقد تقبلوا كل دعوات السماء وآمنوا بها, والتزموا بما جاء في الكتب السماوية من تشريع, وطبقوه علي واقع حياتهم, وصارت أخلاق ومبادئ هذه الديانات يتوارثها الخلف عن السلف, ويوصي بعضهم بعضا بالتزامها, فعرف أهلها يهودا كانوا أو نصاري أومسلمين ما يحل وما يحرم في معاملاتهم وسلوكهم, وطبقوا أحكام هذه الديانات علي عقودهم ومعاملاتهم وطالبوا الحكام بمراعاتها علي مر الدهور, بل ترسخ عرف هذا المجتمع علي النكير علي من لا يلتزم بشرع الله تعالي في مجال العبادة أو المعاملة. الهوية واقع ملموس وشدد الدكتور عطية فياض أستاذ الفقه جامعة الأزهر علي أن الشريعة الإسلامية ليست مادة في الدستور ولكنها هوية وطنا, ولا يمكن أن نتخيل أن هناك وطن بلا دين أو بلا شريعة, وعلي الجميع عدم الخوض في مثل هذه الأمور التي تؤدي لزعزعة ثوابت المجتمع وتؤثر علي أمن وإستقرار البلاد, فهناك أمور معروفة ولا يمكن القفز عليها, ولا يمكن لأحد أن يعتقد أن الشعب المصري علماني أو سيكون علمانيا, فهذا خطأ كبير وتجاوز للواقع, فالشعب المصري شعب واحد تربط بين أفراده قيم ومبادئ مشتركة, عاش عليها المجتمع قرونا عديدة في أمن وسلام, لكن هذه الأصوات التي ظهرت هذه الأيام وتطالب بعلمانية الدولة, فهذه أصوات غريبة علي المجتمع المصري ولن تجد من يستمع لها. الدولة المدنية ويري الدكتور أندريه زكي نائب رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر أن المادة الثانية في دستور1971 هي محل إتفاق بين الجميع, لكن يري أن هناك مواد في دستور2012 تحول الدولة إلي دولة دينية, ومن هذه المواد المادة3 و المادة219, ويري ضرورة أن تقوم المحكمة الدستورية العليا بتفسير مواد الدستور وذلك في إطار الدولة المدنية, ويشدد علي أنه مع المادة الثانية في دستور1971 ويطالب ببقاء هذه المادة في الدستور الجديد, وبالنسبة لعلمانية الدولة يشير إلي أن الشعب المصري متدين بالفطرة, وأن تفسير العلمانية علي أنها ضد الدين فهذا تفسير خاطئ, لكن إذا كان البعض يفسر العلمانية علي أنها أن تقف الدولة علي مسافة واحدة من الجميع وأن تكون الدولة مدنية تحترم الأديان فهذا مقبول. مصر الأزهر والكنيسة ويشدد القمص بولس عويضة أستاذ القانون الكنسي أن الشعب المصري متدين بالفطرة منذ أجداده الفراعنة, فالمصري متمسك بأديانه وكتبه السماوية, لكن من ينادي بهذا الكلام في هذه الأيام فصيل بعينه دخل معترك الحياة السياسية من باب الدين, وكل هذه الأمور جديدة علي الشعب المصري, فمصر محمية بأزهرها وكنيستها, والأقباط احتضنوا المسلمين منذ أكثر من1400 سنة وعاش الجميع في حب وتعاون, ولم نسمع طوال هذه الفترة مثل هذه التعبيرات علمانية وليبرالية وغيرها, والذي نعرفه أن مصر منذ ذلك الوقت هي هلال وصليب وأزهر وكنيسة, وعلي من يردد مثل هذه التعبيرات أن ينظر إلي رمال سيناء التي حارب عليها المسلم والمسيحي, فالجندي المسلم والمسيحي قالوا الله أكبر عند عبور قناة السويس, فأين هي العلمانية ؟!, لم تكن هناك علمانية أو ليبرالية, لكن كانت هناك كلمة واحدة وهي مصر, فالدولة المصرية التي يعيش فيها المسلم والمسيحي هي التي عرفها الجميع, ولابد أن نرسخ مبدأ المواطنة في الدولة المصرية التي تحتمي بأزهرها وكنيستها.